من أنا

صورتي
القاهرة
كاتب صحفي متخصص في الجماعات والحركات الاسلامية في مصر والعالم رقم هاتفي 0020109899843 salaheldeen1979@hotmail.com

Most Popular

الاثنين، 11 مايو 2009

إخوان مصر والنظام

ياسر الزعاترة ( الجزيرة نت )
من يتابع أيا من المنتديات التي تنشر بعض تجليات الجدل الداخلي في جماعة الإخوان المسلمين المصريين، سيدرك ما انطوت عليه تصريحات النائب الأول لمرشد الجماعة (محمد سيد حبيب) من رسائل وردود.
ردود على الكثير من الأسئلة التي يطرحها شباب الإخوان قبل سواهم من المريدين أو الناقدين، أكانوا من المحبين أم من الحساد أم حتى من المعادين، وبالضرورة من أروقة النظام ذاته. نتحدث بالطبع عن التصريحات التي قال فيها الرجل إن الجماعة لن تدخل في صدام بمفردها مع النظام.

"المشهد السياسي المصري خلال الألفية الجديدة انتهى إلى ثنائية الإخوان والنظام، وبالطبع بعد أن تمكنت الأجهزة الأمنية من القضاء على الجماعات الإسلامية المسلحة, بينما كانت القوى القومية واليسارية الأخرى قد تراجعت قبل ذلك بكثير"ما ينبغي أن يقال ابتداءً هو أن المشهد السياسي المصري خلال الألفية الجديدة، وربما منذ منتصف التسعينيات قد انتهى إلى ثنائية الإخوان والنظام، وبالطبع بعد أن تمكنت الأجهزة الأمنية من خلال حرب ضروس خاضتها على مختلف الأصعدة من القضاء على الجماعات الإسلامية المسلحة (الجماعة الإٍسلامية والجهاد) بينما كانت القوى الأخرى، أكانت قومية أم يسارية، قد تراجعت قبل ذلك بكثير، وانحصر وجودها في بعض أشكال المعارضة الإعلامية معطوفة على بعض أشكال التعبير النخبوي الأخرى.
الأسوأ أن النظام لم يتمكن فقط من شطب، وأقله تحجيم الجماعات الإسلامية الأخرى سوى الإخوان، بل تمكن أيضا من تحويلها أو بعض من تبقى من رموزها إلى أبواق تعمل لصالحه من خلال بعض المنابر التي منحت لهم، وبالطبع بعد تبنيهم عمليا للخطاب السلفي التقليدي الذي يمكن تلخيص طروحاته في عبارة "من السياسة ترك السياسة" أو في مقولة طاعة ولي الأمر ولو جلد ظهور الناس وسلب أموالهم، ودائما خشية الفتنة. ولا ننسى أن النظام يجيش إلى جانب هؤلاء نقيضهم في جوانب الفقه والاعتقاد، أعني الجماعات الصوفية التي تكرر ذات المقولات، وإن بطريقتها الخاصة.
المصيبة أن هذه القطاعات الأخيرة (أعني السلفية التقليدية والصوفية) تبدو أكثر قربا من الفئات المسحوقة والمهمشة في ظل شيوع موجة التدين في المجتمع، وهي الفئات التي تشكل الشريحة الأكثر اتساعا في المجتمع المصري، بينما ينحصر وجود الإخوان في الطبقة المتوسطة التي تراجع حضورها ودورها في ظل التحولات الاقتصادية خلال السنوات الأخيرة، وإن أثر خطاب الجماعة في سائر الفئات الملتزمة دينيا، أو حتى غير الملتزمة حين ينجح في التعبير عن هواجسها وهمومها.
ثمة بعد آخر بالغ الأهمية أشار إليه نائب المرشد بشكل غير مباشر، ويتمثل في سيطرة أجهزة الأمن الرهيبة على المجتمع، وهي أجهزة تطورت خلال العقود السابقة على نحو استثنائي، بل إن وجودها يكتم أنفاس الناس، وإذا أضفنا إليها الجيش الجاهز دائما للتحرك في حال لزم الأمر، فسيتبدى حجم المأزق الذي يعيشه المجتمع، وبالتالي بعض المنطق في مواقف الخائفين من الصدام الشامل مع النظام.
كل ذلك لا يغير من أهمية الحقيقة الأكثر قوة ووضوحا في مصر هذه الأيام، وهي المتمثلة في اتساع نطاق السخط الشعبي على نحو غير مسبوق، أقله منذ تسلم حسنى مبارك للزعامة بعد اغتيال السادات، وهو سخط لا يتوقف عند المظالم الاجتماعية التي يتسبب فيها الفساد والنهب الرسمي وتحكم رجال الأعمال من الجهات الحاكمة ومن يدور في فلكها بالسلطة والثروة، بل يتجاوزه إلى سخط على السلوك السياسي للنظام في الداخل والخارج (القمع في السياق الداخلي والمواقف المرفوضة في السياق الخارجي، والتي فرطت بدورها بالأمن القومي المصري وبهيبة مصر ودورها).
وفيما نجح النظام في حرف أنظار جزء من الشارع المصري عن أسباب السخط العربي العام عليه (تحديدا خلال حرب غزة وما بعدها) عبر خطاب "شوفيني" يركز على الأنا المصرية في مواجهة المتجرئين على مصر ودورها وهيبتها، فإن ذلك لم ينطل على جزء كبير من الشارع المتعاطف مع فلسطين والمقاومة، والرافض لخضوع النظام لإملاءات الخارج من أجل تمرير التوريث، ومن أجل الحصول على حق قمع المعارضة من دون انتقادات خارجية.

"تراخي القبضة الأميركية على العالم وتقدم جبهة المقاومة والممانعة في المنطقة، قد يوفر فرصة أكبر لقوى المعارضة المصرية وعلى رأسها جماعة الإخوان لكي تجهر بصوتها أكثر فأكثر، لكن هذا البعد لا يبدو حاضرا بما فيه الكفاية في وعي القيادة الإخوانية"من الناحية الخارجية، يمكن القول إن تراخي القبضة الأميركية على العالم، وتقدم جبهة المقاومة والممانعة في المنطقة، قد يوفر فرصة أكبر لقوى المعارضة المصرية وعلى رأسها جماعة الإخوان لكي تجهر بصوتها أكثر فأكثر، لكن هذا البعد لا يبدو حاضرا بما فيه الكفاية في وعي القيادة الإخوانية، أو لعله يقرأ خلاف الواقع كأن يقال إن الإرادة الدولية لا تزال مع النظام بكل قوة، الأمر الذي لا يماري فيه أحد، لكن إرادة أميركا اليوم ليست كإرادتها قبل عامين على سبيل المثال.
في ضوء هذه الظروف مجتمعة، وفي ظل عدد هائل من الاحتجاجات الشعبية المختلفة من إضرابات عمالية وسواها، ومن ضمنها، بل على رأسها إضراب السادس من إبريل/ نيسان العام الماضي وهذا العام، في ضوء ذلك يحتدم الجدل داخل جماعة الإخوان حول السبيل الأفضل للتعامل مع الوضع، لاسيما أن تجربة مجلس الشعب قد انتهت إلى بؤس مقيم في ظل غياب التأثير المقنع لكتلة نيابية كبيرة (88 نائبا) تعجز في كثير من الأحيان عن مجرد طرح قضية للنقاش، فضلا عن أخذ قرار لا يريده النظام حيالها، والأسوأ في ظل استمرار موجة الاعتقالات اليومية في صفوف الإخوان، والتي تذكرهم بين يوم وآخر بأنهم "الجماعة المحظورة" التي لا يسمح لها بتجاوز السقف المحدد لها في اللعبة السياسية.
يأتي ذلك أيضا في ظل حالة من التجاذب في أروقة القيادة داخل الجماعة، وهو تجاذب لم يكن بالإمكان إخفاؤه عن الجمهور، وبالطبع بعد سنوات من تسلم الأستاذ محمد مهدي عاكف لمنصب المرشد ومفاجأته المراقبين بخطاب قوي حيال النظام وبسقف مرتفع في قضايا الأمة. ولا حاجة لإدراك هذه المعادلة، إذ كم من مرة أطلق عاكف تصريحا جاء الآخرون لكي يوضحوه ويقللوا من أهميته أو دلالته، مع العلم أن الكثير من تصريحات الرجل ذات السقف المرتفع كانت تجد لها صدىً قويا بين شباب الإخوان، بمن فيهم الإخوان خارج مصر.
السيد حبيب في تصريحاته أراد أن يضع النقاط على الحروف فيما يتعلق بموقف الجماعة من الوضع السائد، وهنا ثمة رسائل للإخوان وشبابهم، وأخرى للمعارضة وللجماهير وربما للسلطة أيضا.
في الداخل أراد نائب المرشد أن يبرر ما قد يصفه البعض بالتقاعس أو التخاذل، ولعله التردد في خوض مواجهة مع النظام خلال الحرب على غزة، إلى جانب التردد في تصدر إضراب السادس من أبريل/ نيسان الأول والثاني، أو تبني موجة إضرابات من ذات اللون بالتعاون مع الآخرين.
والحق أن الحديث عن خوض الجماعة للمواجهة بمفردها لا يبدو مقنعا، ليس فقط لأن المواجهة هنا سلمية وليست مسلحة، بل أيضا لأن ذلك يفترض غياب الجماهير بالضرورة، وهو حديث ينطوي على رسالة مفادها أن قوى المعارضة محدودة التأثير تسعى إلى دفع الإخوان لمواجهة لن تخسر هي فيها شيئا. ويبقى أن المبرر العملي المطروح هو التخويف من سحق الجماعة من قبل أجهزة الأمن إلى جانب الجيش في حال لزم الأمر.
السيد حبيب في الحوار لا ينفي ما وصل إليه الحال في مصر من بؤس، لكنه يريد المزيد من "التأييد الشعبي" لإحداث التغيير، إلى جانب "وجود أهداف واضحة للتحرك" وهي أسئلة تطرح على قيادة الإخوان أكثر من سواهم، فحشد المزيد من "التأييد الشعبي" لن يتوفر من غير نضال اجتماعي يتبنى مطالب المسحوقين، وهم الغالبية من الناس، أما الأهداف الواضحة فتقع مسؤولية توفيرها على قيادة الجماعة كذلك.
حبيب يتحدث وهو محق بالطبع، أن الحرية والديمقراطية لا تمنح بل تنتزع، لكنه لم يقل كيف ستنتزع، لا سيما حين ذهب يساوم النظام بشكل شبه واضح على مسألة التوريث مقابل إصلاحات معينة، فيما يعلم الجميع أن تلك الإصلاحات ستغدو بلا قيمة بمجرد وقوع التوريث وتمكن الحكم الجديد، تماما كما وقع في دول أخرى كثيرة.
لقد ثبت أن الإصلاحات الشكلية في أنظمة عشش فيها الفساد وسيطرت نخبها على السلطة والثروة لن يشكل حلا للواقع البائس القائم، وأنه من دون تغيير جذري ستبقى الأوضاع تراوح مكانها، وإذا اعتقد الإخوان أن مساومة النظام لهم على حزب مرخص يمكن أن تكون حلا فهم واهمون، ولعل تجارب إخوانهم في دول عديدة شاهد على ذلك، إذ أفقدتهم تلك الأحزاب المرخصة شعبيتهم وساهمت في المزيد من تحجيم مسيرة الإصلاح والديمقراطية بتشريع كل ما من شأنه تفريغها من المضمون الحقيقي.

"إن عجز الإخوان المصريين عن إحداث تغيير جذري في بنية النظام سيطرح أسئلة حقيقية حول مسيرة الإسلام السياسي برمته، والذي يحوّل الحفاظ على الحزب أو الجماعة ومؤسساتها وهياكلها إلى هدف يتقدم في بعض الأحيان على هدف التغيير الذي تتبناه الغالبية الساحقة "إن عجز الإخوان المصريين عن إحداث تغيير جذري في بنية النظام سيطرح أسئلة حقيقية حول مسيرة الإسلام السياسي برمته، والذي يحوّل الحفاظ على الحزب أو الجماعة ومؤسساتها وهياكلها إلى هدف يتقدم في بعض الأحيان على هدف التغيير الذي تتبناه الغالبية الساحقة من الناس، وبالطبع لصالح مرجعية إسلامية للدولة والمجتمع لا يجب التنازل عنها حتى لو تساءلت نخب عاطلة عن العمل ومسكونة بكره الظاهرة الإسلامية عن ماهية تلك المرجعية وحقيقة مضمونها.
الإخوان المصريون هم رواد الحالة الإسلامية والإخوانية في آن، كما أن مصر هي رائدة التغيير في العالم العربي، وإذا كانت الأجواء غير مناسبة هذه الأيام، مع أن الموقف قابل للجدل، إذ يراها البعض مناسبة إلى حد كبير، فإن تهيئة الظروف للتغيير الشامل لن تكون بالمساومة مع النظام على تمرير مخطط التوريث ومنحه المزيد من الأوكجسين للحياة، بل في تصعيد النضال السلمي بشكل تدريجي، لينتهي الأمر بالعصيان المدني والتغيير الشامل.
وإذا كانت القيادة هي المؤهلة لتحديد زمان التغيير ووسائله، فإن مسؤوليتها الأكبر هي تهيئة الأجواء لحدوثه ونجاحه، ولن يتم ذلك سوى بالتدرج في تعريف الناس ومن ثم تدريبهم على أدوات النضال السلمي التي قد تبدأ بالكتابة على الجدران وتنتهي بالنزول الشامل إلى الشوارع.
مصر هي أمل الأمة في التغيير، والإخوان هم المؤهلون لقيادة المسيرة، وإذا لم يفعلوا فسيعم الإحباط، وتستمر حالة البؤس القائمة إلى أمد لا يعلمه إلا الله
.
Read More

الثلاثاء، 28 أبريل 2009

كتاب المليجى ( الإخوان المسلمون رهائن التنظيم السرى )

"هناك صراع داخلي تاريخي وقديم ومتجدد بين التنظيم السري وجماعة الإخوان المسلمين، ترتب عليه إعاقة كاملة لمسيرة الإخوان وفشل مشروعهم في التغيير أربع مرات تاريخية، المرة الأولى انتهت بمقتل المؤسس وحلّ التنظيم، والمرة الثانية بالصدام الدامي مع مشروع الثورة المصرية، والمرة الثالثة بسبب تنظيم 1965، والرابعة ما تواجهه الجماعة اليوم من مأزق الحظر والردة التنظيمية والفكرية".
حول هذه الفكرة يتمحور كتاب سيد عبد الستار المليجي الذي سيصدر قريبا عن دار الزهراء للإعلام العربي، وقد انفردت "إسلام أون لاين.نت" بالحصول على نسخة منه.
المليجي هو أحد قيادات جماعة الإخوان المسلمين وقد أثار جدلا كبيرا بسبب طرحه لآراء في وسائل الإعلام انتقد فيها قيادات الجماعة، وبعد سكون دام ما يقرب من سنتين عكف خلالها المليجي على كتابه "الإخوان المسلمون رهائن التنظيم السري" ليثير الجدل من جديد.
وفي المقدمة يؤكد أحد قيادات جيل السبيعينات عضويته في مجلس شورى الإخوان وكونه واحدا من الإخوان العاملين على مدى 40 سنة حتى اليوم. ويستخدم المليجي مصطلح "المراجعات الفكرية للجماعة" في التنبيه على أن الكتاب يمثل بداية لسلسلة من الفعاليات في مجال المراجعات الفكرية والتنظيمية للجماعة.
يتكون الكتاب من 10 فصول جميعها -كما يذكر الكاتب- تحاول معالجة تاريخ محاولات التصدي للتنظيم السري في جماعة الإخوان المسلمين، ونصح الجناة بالعدول عن فكرتهم – وفقا للكاتب- ويرصد المليجي ثلاث محاولات للتصدي لهذا التنظيم: واحدة قديمة، وواحدة من جيل السبعينيات، وأخرى حديثة في عصر الانفجار المعرفي وشبكة المعلومات.
ويتعرض الكتاب لطبيعة الحركة الإسلامية أو "الصحوة" التي ولدت من رحم النكسة، واتخذت الإسلام وسيلة تصحيح وتعبئة ثم يعرج على موقف الإخوان و"التنظيم السري" من الصحوة الإسلامية، كما يشرح بالتفصيل قصة قضية "سلسبيل" التي ذكر أنها "تنظيم سري" حاول أن ينقلب على نظام الإخوان الشرعي، ويذكر المليجي وقائع وتفاصيل حاول التأكيد من خلالها على "الانحرافات" الفكرية والحركية التي لحقت بالجماعة نتيجة لهذا الانقلاب.
يتناول المليجي في تضاعيف الكتاب ما يعتبرها مظاهر دالة على الضعف والتراجع داخل الصف الإخواني فيتحدث عن "ضعف لروح الإخوة في الله، وفتور الهمة، وتسلط الجواسيس، ونقلة السوء والمرتزقة على مقدرات القرار في الجماعة"، و"انتشار الغيبة والنميمة بين الصف الإخواني"، وكيف تحول ذلك إلى حالة "فساد" تنظيمي وفكري تستوجب النهوض لإصلاحها.
ويسرد الكاتب في سبيل إثبات ذلك بعض الأدلة يصفها بالدامغة على العسف باللوائح وتغييرها وفقا لمراد "السريين الجدد" وتعطيل مجلس الشورى ثم تزوير الانتخابات الإخوانية الداخلية للإتيان بمجلس شورى أغلبيته من "التنظيم السري"، ويطرح الكتاب تصورًا حول المستقبل لمن يريد إنجاح مشروع الإخوان والاستفادة بطاقتهم ضمن نسيج مجتمعهم.
بداية القصة
يستخدم الكاتب أسلوبا قصصيا في سرده للوقائع التاريخية التي بدأها من عام 1975، حيث كان كل ما تبقى من الإخوان المسلمين في مصر عدد محدود من الأفراد بعد خروجهم من سجون النظام الناصري، في هذا الوقت لم يكن هناك اتفاق على طريقة عمل محددة لإعادة تكوين الجماعة في مصر، حيث سعى كل فرد في الجماعة حسب اجتهاده في موقعه، وكان من أبرز هؤلاء عمر التلمساني – المرشد الثالث للجماعة-.
ويشير الكاتب إلى أن هذه الفترة شهدت تبنى قادة التنظيم السري القديم (مصطفى مشهور وأحمد حسنين وأتباعهم من تنظيم 65) فكرة إعادة التنظيم السري الخاص واعتبار رئيس التنظيم هو المرشد الحقيقي مع الإبقاء على وجود مرشد "صورة " لصرف نظر أجهزة الأمن عن المرشد الحقيقي، لكن هذه الفكرة عندما طُرحت رفضت بشدة، ولاقت إنكارا من غالبية قادة الإخوان القدامى، وبرز من الرافضين للنظام الخاص أسماء عمر التلمساني ومحمد فريد عبد الخالق ومحمد حامد أبو النصر وإسماعيل الهضيبي ومحمود عبد الحليم وصلاح شادي وأحمد الملط وعبد المعز عبد الستار وعبد الله رشوان، لكن "التنظيم الخاص السري" خالف القرار الجماعي واستمر أصحابه في العمل بطريقتهم في التجنيد للتنظيم الخاص مستغلين انشغال الرافضين لذلك بالعمل الدعوي العام الذي كان يقوده عمر التلمساني.
هروب التنظيم السري
ثم ينتقل الكاتب ليروي قصة انكشاف التنظيم و"هروب" قائده ومساعديه للخارج قبل عملية اغتيال السادات، وكيف أن التلمساني اعتبر هذا الموقف فرصة لمقاومة "انحرافات" هذا التنظيم الذي كان يشعر به ولا يستطيع مقاومته، وتمثل ذلك في مسارعته لتطويق الخطر بتشكيل جديد يرأسه الدكتور أحمد الملط وجابر رزق ومحمد سليم، بالإضافة إلى الكاتب الذي أوكل إليه مهمة الاتصال بالمحافظات للتنسيق بين الإخوان وتقوية الاتصال بالطلاب وأعضاء هيئة التدريس بالجامعات المصرية."في هذا التوقيت كان مصطفى مشهور وفريقه يصبون جهدهم التنظيمي على المصريين المعارين للسعودية والخليج واليمن والطلبة المبعوثين في أوروبا وأمريكا"، حسب قول المليجي: وبالفعل صنع منهم (مشهور) تنظيما خاصا سريا ينتمي لقيادة خاصة منفصلة تماما عن القيادة في القاهرة، كما أن حركة مصطفى مشهور في الخارج وطدت علاقته بالقيادات الإخوانية في الدول الأخرى على مدى ست سنوات.
تنظيمان في الجماعة
ووفق ما ذهب إليه المليجي فقد عرفت هذه المرحلة للإخوان تنظيمان: التنظيم المعلن بقيادة عمر التلمساني وأحمد الملط وجابر رزق، و"التنظيم السري المخالف" بقيادة مصطفى مشهور ومجموعته، وهي اللحظة التاريخية التي بدأ فيها الصراع بين التنظيمين.
ويرجع الكاتب قوة هذا التنظيم إلى ما وصفه بعمليات الاختراق المنظمة طيلة السنوات التي تواجد فيها رأس التنظيم (مشهور) بالخارج (1981-1987)، حيث كان أفراده يأتون ومعهم رسالة من الإخوان في الخارج تشير إلى أنهم على فكر الإخوان وكانوا يستوعبون من جانب الإخوان "غير السريين" بحسن نية؛ لأنهم لم يلتفتوا وقتها "لمخططاتهم الانقلابية"، لكن الكاتب يلفت إلى أنهم "لاحظوا أكثر من مرة أنهم يأتون بالكراهية والتآمر ولم يشعروا في أحدهم بما يتعارف على تسميته بالحب في الله".
وينتقل الكاتب إلى مرحلة مرض المرشد التلمساني وهي اللحظة التي شعر فيها تنظيم مشهور بوجود أعداد كافية منهم فقررت إعادة قيادة التنظيم السري (المرحوم مصطفى مشهور ومحمود عزت وخيرت الشاطر)، وأوجدت لنفسها مقرا إداريا تحت مسمى شركة "سلسبيل"، وبدءوا مرحلة جديدة تستهدف "إحلال عناصرهم محل الإخوان المرابطين في الوطن، واستخدموا في ذلك كل الأساليب المنافية لآداب وتعاليم الإسلام وفى مقدمتها تشويه سمعتنا والافتراء علينا والكذب على جموع الإخوان".
ويذكر الكاتب محاولة شغل مشهور مقعد المرشد فور وفاة التلمساني وقبل دفنه وادعائه بأن الإخوان بايعوه، لكن هناك أصواتا من الجماعة ذكرته باللائحة التي تنص على أحقية محمد حامد أبو النصر بمنصب المرشد؛ لأنه الأكبر سنا إلا أن الكاتب يعترف بأن هذه اللحظة كانت لحظة "نشوة" بعد انتصار "النظام الخاص السري" على الإخوان.
بيد أن رجال التنظيم لم يستطيعوا إبلاغ أبو النصر بتولي مشهور للمقعد – حسب رواية الرسول للكاتب – وأنه تحرج من إعلامه بتولي مصطفى مشهور للمنصب فقدم له الأمر على أن الإخوان في القاهرة يستأذنونه في ذلك إشفاقًا على صحته، ولكنه بادر الرسول باستعداده للانتقال من منفلوط إلى القاهرة ليباشر مهام المرشد العام حسب اللائحة.
ويرى الكاتب "أن فريق السريين اضطر إلى الانسحاب التكتيكي وقبول الأمر الواقع، وانسحب مصطفى مشهور خطوة واحدة للخلف ليحتل موقع نائب المرشد، وأسكنوا المرشد محمد حامد أبو النصر في شقة بمنيل الروضة بعمارة مملوكة للمرحوم حسن الجمل، وعينوا عليه عددا من "مخابرات النظام الخاص" تحت مسمى (خدامين الأستاذ)، وكان محمد حامد أبو النصر لكبر سنه كثير التغيب عن المقر بشارع التوفيقية، وفعليا كان نائبه مصطفى مشهور يدير كل أمور الجماعة حسبما يرى".
في هذه المرحلة الانتقالية يشير الكاتب إلى أن "التنظيم السري" الوافد مع مصطفى مشهور عمل على مشروعين: الأول هو "تحطيم" الذين يدرك أنهم رافضون للانضواء تحت إدارة التنظيم السري والرافضين لطريقته في الفهم والعمل، والمشروع الثاني هو الإعداد لانتخابات داخلية مفصلة تفصيلا خاصا لتحقق لهم مشروعية تنظيمية.
تصفية القسم المارق
كانت بداية عمل التنظيم الحقيقية -كما يذكر الكاتب- هو "تشويه سمعة قسم الطلاب، ووصف بالقسم المارق، والقسم المنعدم التربية، والقسم الباحث عن الشهرة، والقسم السابق على الجماعة في الحركة"، وكانت نتيجة تصاعد موجة العداء ضد قسم الطلاب هو الإطاحة بمسئولي القسم بجامعة الأزهر بقيادة د.محمد رشدي، وكانت نهاية القسم الحقيقية حدثت بعد تكليف (محمد مهدي عاكف) بتصفية قيادة القسم المركزية وتسليم القسم في النهاية لأحد أنصارهم (د.رشاد البيومي) بعد الإطاحة بطلائع قسم الطلاب إلى "ما تصوروه نهايتهم" في النقابات المهنية وعندما نجح المبعدون في إدارة النقابات المهنية "طاردوهم" في النقابات ووضعوا أمامهم العراقيل.
وينتقل الكاتب إلى قصة سلسبيل التي تأكد من خلالها أن "التنظيم الخاص نوى وباشر بالفعل الإجهاز على كل ما تبقى من الإخوان المناوئين للتنظيم السري، وأصبح شعارهم أنا ومن بعدي الطوفان".
فالكاتب يؤكد أن التنظيم السري سلم "عامدا" لمباحث أمن الدولة معلومات مفصلة ودقيقة عن كل من عمل أو يعمل في الإخوان المسلمين، ويطالب الكاتب في هذا الصدد مساءلة من تسببوا في ذلك.
ويضيف: "لم تكد تنتهي قصة سلسبيل حتى فوجئ الجميع بلعبة الانتخابات المفبركة وانتُخب مجلس شورى، ولم يعجبهم فأضافوا عليه 30 صوتا ممن لم يفوزوا في الانتخابات، ثم اجتمع مجلس الشورى وصعدهم إلى سدة الحكم، ثم ركلوا مجلس الشورى إلى الأبد فقد أتم مهمته، وجاء بمن أرادوا فلم يُدعََ للاجتماع ولا مرة واحدة من 1995 وحتى اليوم واكتفى قائد التنظيم بنفسه حاكما مطلقا يفعل بالإخوان ما يريد".
السيطرة على الجماعة
وينتقل الكاتب إلى فترة المحاكمات العسكرية عام 1995، حيث يشير إلى أن غياب الإخوان وراء القضبان كانت فرصة لقيادات للتنظيم السري، فألغوا غالبية نتائج الانتخابات وقام بإحلال أنصارهم في معظم المواقع التنظيمية، وعينوا أنفسهم سريعا بمكتب الإرشاد بدلاء عن الأعضاء المعتقلين وكانت هذه أول مرة في تاريخ الإخوان يسيطر أعضاء التنظيم السري الخاص على مكتب الإرشاد والأقسام الفنية والأموال في القاهرة ومعظم المحافظات، ويكون نائب المرشد العام مصطفى مشهور هو خامس خمسة أداروا النظام الخاص في الأربعينيات من القرن العشرين.
يصف الكاتب بيعة المرشد الخامس مصطفى مشهور بأنها أغرب بيعة في تاريخ الإخوان (بيعة المقابر) التي أصبح فيها "الفيزيائي مشهور ومن المقابر وبواسطة مظاهرة مجهولة الأعضاء المرشدَ الحقيقيَّ، وتولى بنفسه وجهازه الخاص تصفية البقية الباقية من قيادات السبعينيات في عملية حزب الوسط الرهيبة التفاصيل".
الجمعية هي الحل
يطرح المليجي مشروع الجمعية الخيرية كأحد سيناريوهات حل مشكلة الإخوان المسلمين في ظل الأوضاع القائمة والظروف الدولية الحاضرة، ويرى أن العالم قد توسع في مجال المنظمات غير الحكومية توسعا ملحوظا لدرجة أن بعض هذه المنظمات غير الحكومية ينافس الدول من حيث التأثير في واقع الحياة، وأوضح الأمثلة في المجتمع المصري على سبيل المثال هو دور الجمعية الشرعية للعاملين بالكتاب والسنة المحمدية في ظاهرة التدين وحركة بناء المساجد وتنظيم دروس العلم وفتح المعاهد لإعداد الخطباء حتى أن الجمعية الشرعية دخلت معترك العلاج الطبي والإغاثة الإنسانية وحققت تقدما ملموسا في هذا المجال.
ويعتبر المليجي أن كافة الاعتراضات على مشروع الجمعية الخيرية واهية ومردودة، ومنها على سبيل المثال: عدم موافقة الدولة على جمعية باسم الإخوان، فهو يرى أن هذه شماعة من لا يريدون الانضباط الإداري والمالي، ويفضلون العمل بالفوضى التي لا يمكن معها محاسبة أحد أو مساءلة موظف، وطرح المليجي السؤال بطريقة أخرى: لماذا لا تقبل الدولة تسجيل جمعية خيرية للإخوان؟ ويبحث المليجي في الإجابة عن هذه السؤال ويحث الجماعة على إجابته بشفافية وشجاعة لتصل إلى نتائج أفضل.
ويذكر الكاتب أن من أسباب الرفض أن الإخوان تعودوا أن تستخدم المؤسسات التي تمتلكها لغير الغرض الذي أسست من أجله، وعدم مراعاة الحدود الفاصلة بين المهني والدعوي والسياسي والخدمي، ويرى أن "الإخوان يمارسون كل شيء من أي شيء، ونقول كل ما نريد في أي وقت ومن فوق أي منصة نرتقيها، حتى الجنازات التي أجيزت للعبرة والاعتبار والاتعاظ بالموت تحولها الجماعة إلى مهرجانات سياسية تقول فيها كلاما نقديا للنظام والحزب الحاكم... إلخ".
والحل من وجهة نظر الكاتب هو في "مواجهة الموقف بشجاعة وشفافية وجد، والبداية اختيار مؤسسين للجمعية معروفين بالتعقل والتروي والتفاعل المجتمعي والقبول عند متخذي القرار ولو على سبيل التجرِبة، وأن تكون الجماعة مستعدة لعدم الخلط بين مجالات عمل الجمعية المشهرة وبين ما تريد الجماعة عمله، وأن يكون هناك حوار مع أجهزة الدولة بهذا الشأن وقبول المنصوص عليه قانونا بوصفهم جهة متمكنة وقادرة على الموافقة أو عدم الموافقة لا سيما أننا بصدد بدايات لبناء الثقة بين الأطراف ولسنا بصدد تصفية حسابات مع أحد في هذا الوطن.
مشروع حزب سياسي
ويتعرض الكاتب إلى المشكلات التي تواجه الجماعة في إشهار حزب سياسي وهي تتشابه إلى حد كبير مع المشكلات التي تعوق إشهار الجمعية، لكنه يقسمها هذه المرة إلى معوقات داخلية وخارجية، أما الداخلية فأهمها أن الجماعة لم تتقبل بعد طرق وآليات العمل السياسي في الدولة الحديثة؛ بسبب أن غالبية الإخوان ما يزال بينه وبين الآليات الديمقراطية عداوة وسوء تفاهم "ففريق السريين" لا يعطي (مجرد حق التصويت) لكل أعضاء الجماعة، ويميز بينهم تميزا عنصريا "معيبا"، ويقسمهم إلى محبين ومتعاطفين ومؤيدين وجميع الفئات الثلاث ليس له حق التصويت ولا حق الترشح، والقسم المميز قسم الإخوان العاملين وهم مقسمون إلى مناصرين للتنظيم السري فيدعون إلى الانتخابات، ومعارضين تفوت عليهم فرصة الحضور بأساليب "ملتوية وماكرة" وتحسم النتائج في النهاية بعدد 20% من الإخوان.
ويذهب الكاتب إلى أن المنهج الثقافي والتربوي يغذي منهجا خفيا شعوريا نفسيا يؤدي إلى رفض الحياة في دولة يحكمها الدستور والقانون، كما يؤكد أن هناك عمدا من "السريين ببقاء قسم التربية في قبضتهم حتى تستمر الجماعة تدور في رحى أفكارهم التكفيرية دونما أي اقتراب من آليات استلام السلطة في الدولة المعاصرة".
الإصلاحات الداخلية الشاملة
يخصص الكاتب فصلا كاملا يتحدث فيه عن الإصلاح الداخلي الذي يجب على الجماعة فتح ملفاته كخطوة أساسية في طريق الإصلاح، منها ملف استيلاء الجهاز السري على مقاليد الجماعة وعسكرتها بأساليب غير إسلامية ولا أخلاقية وحتمية إلغاء العمل السري تماما واستنكاره؛ لأنه لم يعد له فائدة ترجى، والعودة بالجماعة لتكون ودية أخوية وليس تنظيمية تسلطية متصارعة، وتبسيط النظام المتبع ليحقق مجرد التنسيق بين الإخوان في القطر، ولتكن البداية التحقيق مع المنشقين تحت مسمى شركة سلسبيل.
ويرى أن الجماعة مطالبة أن تستخدم مصطلحات حقيقية ومستساغة لدى القاعدة العريضة من المواطنين، ويرى أنهم عليهم أن يعيدوا النظر في مصطلحات (الشعبة) التي تعني "نظاما مباحثيا"، حيث يقال شعبة مباحث القاهرة أو شرق... إلخ، وكلمة (الكتيبة) التي تعني نظاما عسكريا، وكلمة (الأسرة) التي تعني نظاما كشفيا للأشبال.. فهل نحن كذلك أم أن هذه مصطلحات تجاوزناها؟ وهل هي مقدسة ومن فرائض الدين الإسلامي؟ أم هي مجرد اجتهادات تعبر عن تأثر بالبيئة والظروف المحيطة في الزمان الغابر؟.
كما يطالب بفتح ملف الأموال ومحاولة إعادتها من مغتصبيها لتصرف في مصارفها الشرعية، والعمل على وجود نظام مالي محكم وشفاف وواضح لجموع المساهمين، وحتى يتحقق ذلك يجب وقف نظام الجباية المسمى بنظام الاشتراكات الشهرية تماما؛ لأن الجماعة ليست في حاجة إليه.
ويشدد المليجي على أهمية فتح ملف المهمشين والمحاصرين في جماعتهم بسبب ما يقدمونه من نصيحة مخلصة، والعودة بالإخوان بيتا جامعا لكل محبيها والمتفقين معها في الفهم والعمل.
ويطالب بفتح ملف تزوير الانتخابات الإخوانية بداية من بيعة المقابر المرفوضة لائحيا وإسلاميا إلى التعيينات في مكتب الإرشاد وتهميش دور مجلس الشورى.
كما يطالب الجماعة بكشف عناصر التكفير المتسللة في أوساطها ومواجهتها بالحجج والبراهين وعلاجهم نفسيا وتعليميا حتى يبرءوا مما هم فيه.
كما يطالب الجماعة أن تتوب عن أعمال التجسس على المعارضين داخل الجماعة وعلى الأحزاب الأخرى، وأن يعلن الإخوان إدانتهم لمن مارسوا هذه الفضائح تاريخيا.
ويدعو الكاتب الجماعة إلى التوبة عن النظرة الاستعلائية البغيضة، والانتفاخات الكاذبة تجاه الآخر، فما ذم الإسلام شيئا أكثر من ذمه للكبر والمتكبرين الذين ينكرون الحق ويحتقرون الناس، والذين يرون في أنفسهم الجدارة والكفاية بالمناصب والسلطان لا لخبرة أو تميز في الأداء والعطاء، ولكن فقط لكونهم من تنظيم الإخوان المسلمين.
ويختم الكاتب كتابه بقوله "أما الاستمرار وفينا كل هذه العيوب والمثالب فهو الجري وراء السراب يحسبه بعضنا دولة إسلامية وأستاذية العالم حتى إذا فات العمر، وحانت لحظة الموت، لم يجده شيئا، ووجد الله عنده فوفاه حسابه".
Read More

الأحد، 19 أبريل 2009

محمود غزلان: الإخوان والشيعة مرة أخرى

مقال لمحمود غزلان
نشر الأستاذ يوسف ندا مقالاً على موقع (إخوان أون لاين.نت) منذ حوالي شهرين عنوانه ( نحن والشيعة) ادعى أنه يمثل المستقر في الفكر الإخواني في هذا الموضوع، وكان رد الفعل إزاءه سيئًا إذ رفضه معظم المعلقين عليه في الموقع، كما طلب آخرون منا أن نوضح موقفنا فقمت بالرد عليه ووضحت موقفنا جليًا فتلقاه المعلقون بالقبول والاستحسان وظننت أن الرجل استوعب الدرس وعلم أن التشيع ليست له أرضية في أوساطنا وأنه سينصرف عن هذا الموضوع، إلا أنني فوجئت بأنه زاد في مقاله السابق وأضاف إليه فقرات أشد سوءًا ونشره في صحيفة (المصري اليوم) في 11/4/2009 ثم نشر في موقع (إسلام أون لاين.نت) وعجبت من عدة أمور: الإصرار الغريب على نفس الأفكار، ونسبتها للإخوان المسلمين، وتوقيت نشرها وكأنه يريد بث فتنة في صفوف أهل السنة ولكن قوبل من المعلقين على الموقع برفض أشد وإدانة دامغة، واستغاثة بالإخوان ليوضحوا موقفهم من هذا المقال.
ولما كان المقال يروج للفكر الشيعي ويتعارض مع الفكر السني الذي يعتنقه الإخوان، ونتيجة للبلبة التي أثارها في أوساط أهل السنة ولدى قواعد الإخوان اضطررت اضطرارًا لتبيان الحقيقة، وكنت في ذلك كمن يتجرع المر، فرغم أنني كنت أرى أن وحدة الأمة وخصوصًا في هذا الوقت تقتضي الإعراض عن الخوض في المسائل الخلافية إلا أنه فرض عليّ الكتابة فرضًا عملاً بالقاعدة التي تقول بأنه "لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه".
بعيدا عن الإخوان

أول ملاحظة على مقال الأستاذ ندا أنه مليء بالسباب والشتائم والبذاءات التي أطلقها على كل مخالفيه سواء كانوا من الإخوان أو السلفيين أو العلماء القدامى أوالمحدثين، مثل: أنهم لا يفهمون أو لايريدون أن يفهموا، وأنهم أصحاب الفكر القشري المغالي الانتقائي، وأنهم أصحاب الأفكار المتزمتة والمتشعوذة والموجهة والغالية وأنهم ساروا كالقطيع في خط سمي لهم خط العقيدة، وأنهم يمرون بمرحلة مراهقة دينية، وأنهم يرددون صوت سيدهم الذي أخلى عقولهم وحشى محلها بذور الكراهية والتزمت والفرقة والمغالاة والعمى الفكري والتعالي بقشور العلم والمعرفة، وأنهم يرجعون إلى كتب شيوخ السطان المسيسة والمدنسة، وأنهم يجترون معلومات قاصرة تسمم عقيدتهم وتغير بوصلتهم، وأنهم يؤلفون كتباً مليئة بالافتراءات والأكاذيب والمبالغة في التزييف والاختلاف، وأنهم إما موتورون أو مفتونون أو جاهلون أو إمعات أو سياسيون منتفعون باعوا دينهم ليرضى السلطان، وأنهم حشرات ضارة .....إلى آخر هذا الطوفان الكاسح من البذاءات.
وما كنت أتصور أن يصدر كل هذا السوء من شخص عادي ناهيك عمن يدعي التفكير الإسلامي الإخواني .... إن الإسلام دين أخلاقي، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) ويقول (ليس المؤمن بطعان ولا لعان ولا فاحش ولا بذيء)، والإخوان ينتهجون التربية الإسلامية وسيلة للتغيير وعلى رأسها التربية الأخلاقية والأستاذ البنا حينما يقرر صفات الأخ المسلم يضع (متانة الخلق) بعد سلامة العقيدة وصحة العبادة، وحينما يقرر خصائص جماعة الإخوان يؤكد أنها لا تتعرض بالتجريح لا للأشخاص ولا للهيئات. إنني في غاية الحزن من أجل المستوى الأخلاقي لهذا الرجل وحظه من التربية والأدب. وهكذا يتضح من أول وهلة أنه لا يمثل المستقر في الفكر الإخواني ولا السلوك الإخواني ولا حتى الإسلامي العام.
الملاحظة الثانية: أن هذه القسوة البالغة والشدة المنفرة خص بها أهل السنة فقط، وعندما تكلم عن الشيعة حتى وهو يذكر تكفيرهم للصحابة وسبهم لهم وتعرضهم لأعراض أمهات المؤمنين كان رفيقًا رقيقًا لطيفًا ....فيا للعجب.
كما أنه أقام مقاله على التدليس والتلبيس، تلبيس الحق بالباطل، والخطأ بالصواب والادعاءات غير الصحيحة. فأول تلبيس هو زعمه أنه لا يمكن أن يخالف فيما يكتب رأي مكتب الإرشاد، وأن الخلاف فقط هو مع أحدهم ( شخصي الضعيف) بما يوهم أن الباقين جميعاً موافقون له وأنا أقرر له أن جميع أعضاء المكتب يرفضون مقالتيه ويلفظونهما، وأنهم مستاءون منهما أشد الاستياء، فإذا كان فعلاً يلتزم برأي المكتب كما يقول فعليه أن يعلن على الملأ وفي نفس الصحيفة السيارة (المصري اليوم) والموقع المنتشر (إسلام أون لاين.نت) خطأه ومخالفته للمستقر في الفكر الإخواني، وأن الإخوان لا يمكن أن يخرجوا على مذهب أهل السنة والجماعة.
وحتى إذا أصر على رأيه فعليه أن يعلن أنه رأيه الخاص وأنه لا يمثل إلا نفسه ولا يمثل الإخوان فيما يقول.
الخلط بين السنة والشيعة


التلبيس الثاني أنه يذكر جملة من الأصول الصحيحة في مذهب أهل السنة ثم يدس فيها أصولاً شيعية مرفوضة، من ذلك قوله: بأن القداسة لله وحده، وأن باب الاجتهاد مفتوح، وأن الفقه والاختلافات الفقهية صناعة بشرية ويجب احترام الأئمة الذين تصدوا لهذه الصناعة، وكل ذلك مقبول.
ثم يدس السم في عبارة (ومن المستقر في الفكر الذي ربيت عليه في صفوف الإخوان أن علياً كرم الله وجهه كان أصلح وأتقى من معاوية الذي اغتصب الخلافة ثم حول المسلمين إلى أدوات له ثم ملكهم لذريته الفاسدة، وهذا تاريخ ثابت لم يؤرخه الإخوان).
والناظر في هذه الفقرة وما قبلها وما بعدها يلاحظ دون عناء أنها مقحمة من خارج السياق مدسوسة دسًا فيما بينها حتى تمر على القارئ وتنطلي عليه.
الأمر الآخر: أن هذا الكلام السيء يتناقض مع أبجديات فكر أهل السنة ومن ثم يتناقض مع أبجديات الفكر الإخواني.
ويثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن المفكر الإخواني الكبير ـ ادعاء ـ إما أنه لم يقرأ الأصول العشرين التي كتبها الإمام البنا كخلاصة علمه ودراسته وفقهه لكل علوم الشريعة، وإما أنه قرأها وتجاهلها لحاجة في نفسه، فقد جاء في الأصل التاسع ما نصه: (فكل مسألة لا ينبني عليها عمل فالخوض فيها من التكلف الذي نُهينا عنه شرعًا، ومن ذلك كثرة التفريعات للأحكام التي لم تقع، والخوض في معاني الآيات القرآنية الكريمة التي لم يصل إليها العلم بعد، والكلام في المفاضلة بين الصحابة رضوان الله عليهم، وما شجر بينهم من خلاف، ولكلّ منهم فضل صحبته وجزاء نيته، وفي التأويل مندوحة).
وهكذا يتضح أن الرجل يفتري على الإخوان المسلمين ويريد أن يتدثر بعباءتهم ويرفع لواءهم، وهو ينشر الفكر الشيعي وهذا ما يقوله الشيعة. وأنا أقول له: إن أعجبك الفكر الشيعي أو أردت أن تتشيع فهذا شأنك، أما أن تزعم أن هذا هو فكر الإخوان الذى ربيت عليه فقد أعظمت عليهم الفرية.
تلبيس الحقائق
التلبيس الثالث: أنه يحاول أن يوهم أن آراء ابن تيمية وابن القيم في طاعة ولي الأمر إنما تصب في مصلحة أصحاب السلطان الطغاة مغتصبي السلطة.
والذي لا يعلمه سيادته أن هذا الرأي إنما هو رأي عبد الله بن عمر، ومحمد بن مسلمة، وأسامة بن زيد، وعثمان بن عفان وكثير من العلماء من أهل الحديث، وأيضًا فإن الطاعة في رأيهم ليست مطلقة وإنما تقترن بجملة من المبادئ:
أ‌- أنهم يعترفون بإمامة المتغلب جريًا على القاعدة التي يتبعونها وهي أنه ينبغي احتمال الضرر الأقل في سبيل دفع الضرر الأكثر، فإذا حدث العكس تغير الحكم.
ب‌- أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب ولا يصح أن يُترك الحبل للحاكم على غاربه ولا يُرضى بأعماله كيف كانت، وإنما لا بد أن يدعي إلى الخير ويصد عن الظلم بكل الطرق الممكنة دون قتال (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر).
ت‌- أن الطاعة لا تكون إلا في المعروف، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق (السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة).
أما أن الطغاة يستخدمون هذا الرأي بعد قطعه عن سياقه وعن شروطه، فهذا لا يعيب الرأي وإنما يعيب الاستخدام المنحرف، كما يستخدم أي شيء في غير ما وضع له .
الإخوان وحقيقة الشيعة
التلبيس الرابع: أنه ينسب إلى الفكر الإخواني رفضه لطوفان الكتب التي كتبها علماء أهل السنة في الشيعة، وأنها تقول فيهم ما ليس فيهم افتراءً وكذباً ومبالغة في الاختلاق والتزييف، وأن كاتبي هذه الكتب وناشريها إما موتورون أو جاهلون أو إمعات أو سياسيون باعوا دينهم ليرضى السلطان.
والإخوان ـ كما أسلفت ـ قوم أخلاقيون، كما أنهم لا يجرحون أشخاصاً ولا هيئات ناهيك عن علماء أهل السنة الذين هم أئمتهم وعلماؤهم وأساتذتهم، فهم يبرئونهم من كل هذه الصفات الذميمة التي نسبها إليهم الأستاذ ندا ويعتقدون فيهم العلم والتقوى والورع والغيرة على الدين والأمة.
وإمعانًا فى التلبيس فإنه ينسب لنفسه ما يوهم القارئ بأنه خبير عليم بالمذهب الشيعى والإخوان المسلمين معًا، فقد حمل ملف إيران ثلاثين عامًا، وقابل آيات الله العظمى والوزراء وحضر الحسينيات والمحاضرات، وقرأ كتبًا كثيرة لهم ذكر بعضها، وأريد فقط أن أقف عند الكافى ومراجعات الموسوي.
وفى نفس الوقت قضى فى الإخوان ستين عامًا فى كل المستويات التنظيمية والفعاليات العامة والسياسات القطرية والدولية ... إلى آخر سيل المديح الذى كاله لنفسه حتى يقبل القارئ مزاعمه حقائق مسلمة.فكتاب الكافي الذي يدعي الأستاذ يوسف ندا أنه قرأه لن أنقل منه شيئًا قط حتى لا أوغر صدور أهل السنة فما زلت وسأظل حريصاً على رأب الصدع ووأد الفتنة، ولكني أريد أن أسأله ألم يقف شعر رأسك ويقشعر جلدك وينتفض قلبك وأنت تقرأ ما فيه – إن كنت قرأته حقًا - ؟.
وأما كتاب الموسوي فاسمه ( الشيعة والتصحيح ) ومؤلفه هو العلامة الدكتور موسى الموسوي وهو حاصل على الشهادة العليا فى الفقه الإسلامي (الاجتهاد) من النجف الأشرف، وعلى شهادة الدكتوراة فى التشريع الإسلامي من جامعة طهران، وجَدُّه كان أكبر مرجع للشيعه فى زمنه، والرجل ينحو منحىً تصحيحيًا لمذهبه بعد مراجعته فهو ينكر على الشيعة فكرة الإمامة المنصوص عليها من الله، وأن الأئمة معصومون وأن منزلتهم تساوي منزلة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وتفوق منزلة الأنبياء الآخرين، وأن لهم بعض صفات الله كعلم ما كان وما هو كائن وما سيكون وأن أعمال العباد تُعرض عليهم.
وينكر عليهم تكفير الصحابه وسبهم ولعنهم ولعن السيدة عائشة والسيدة حفصة. وينكر عليهم عقيدة الرجعة، وهى أن الله سيبعث للإمام الغائب عند ظهوره ثلاثة آلاف من حكام المسلمين الذين اغتصبوا الحكم من آل البيت وعلى رأسهم أبو بكر وعمر فيقتلهم جميعًا. وينكر عليهم القول والعمل بالتقية حيث يقول: ( إننى أعتقد جازمًا أنه لا توجد أمة فى العالم أذلت نفسها وأهانتها بقدر ما أذلت الشيعة نفسها فى قبولها لفكرة التقية والعمل بها).
وينكر عليهم ما يفعلونه يوم عاشوراء من شج الرؤوس وتمزيق الجلود وإسالة الدماء فى منظر وحشي همجي مقزز كفيل بتنفير من يراه من الإسلام والمسلمين.
وينكر عليهم استيلاء الأئمة والمراجع على خُمس ما يكسبه الشيعة جميعًا بدون وجه حق، إضافة إلى الزكاة. وينكر عليهم زواج المتعة. وينكر عليهم طلب الحاجات من الأئمة وليس من الله. وينكر عليهم السجود على التربة الحسينية. وينكر عليهم الزعم بتحريف القرآن. وينكر عليهم القول بالبداء ومعناه أن الله – سبحانه – يتغير علمه – حاشاه – فيتغير تبعًا لذلك قضاؤه.. إلى آخر ما ذكره هذا العالم الشيعي المتبحر. فهل هذه كلها افتراءات من هذا العالم على أهل شيعته؟ وهل ما كتبه أهل السنة عنهم يخرج عن هذا كله؟.
وهكذا يتضح أن الأستاذ ندا إما لا يعلم – رغم زعمه العلم – وإما أنه يحيد عما يعلم لغرض ما، وعلى كل الأحوال فإنه لا يمثل لا الإخوان ولا أهل السنة فى مزاعمه.
المواقف السياسية والمذهبية

ويؤكد غزلان على أن هناك خلاف لدى الإخوان بين المواقف السياسية من الشيعة والمذهبية
لقد فرّقتُ في ردي السابق عليه بين أمرين: المواقف السياسية والموقف من المذهب وقلت إن المواقف السياسية تقاس على قيم الحق والحرية والعدل فإن اتفقت المواقف معها أيدناها رضى من رضى وسخط من سخط؛ ولذلك فنحن نؤيد حق إيران فى استقلالها وحرية قرارها، وفى برنامجها النووي، وتصديها للمشروع الغربي ودعمها لحركات المقاومة فى المنطقة، وأدنّا العقوبات الاقتصادية عليها، ونرفض ما يتعارض مع هذه القيم مثل دعم متعصبي الشيعة فى العراق فى حربهم على أهل السنة المستضعفين، وكذلك تصريح المدعو ناطق نوري بأن البحرين جزء من إيران، فهذه كلها مواقف سياسية.وأما الموقف من المذهب فنحن نميل إلى عدم التعرض له بالمدح أو القدح، وعدم الخوض فى الخلافات بين مذاهب المسلمين حرصًا على وحدة الأمة واستبعاد كل أسباب الشقاق، وعلم الله أننى ما خضت فيما خضت فيه الآن إلا لاستغلال يوسف ندا هذا الموقف وتلبيسه على عموم أهل السنة وتجريحه لعلمائهم ولإخواننا السلفيين ونسبته للإخوان ما هم منه براء.
ثم راح يستنكر تحذيري من أننى لن أسكت فى حال استغلال الآخرين حرصي على وحدة الأمة ورغبتي فى عدم الخوض فى الخلافات بين المذاهب إذا لم يحترموا مشاعرنا ويكفوا عن محاولات نشر التشيع بين أبنائنا، فيقول لي: ( قف من أنت؟ إن الخطأ – حتى لو اعتبر خطأ – لا يبرر الخطأ ) فالرجل لا يعتبر نشر التشيع بيننا خطأ، وهذا واضح من عبارته – حتى لو اعتبر خطأ – أى على سبيل الافتراض، بل يعتبر التوعية والتوضيح هى الخطأ.
هل إذا رأيت شخصًا يدعو أولادي إلى فكر منحرف وقمت بتوعيتهم وتحصينهم أكون مخطئًا؟ الأستاذ ندا يقول: نعم.
والذي يحيرني حتى الآن هو معرفة حل هذا اللغز، لماذا يصر الرجل على هذا الموضوع رغم رفض أغلبية الناس له حينما كتبه أول مرة؟. إنه يقول في رسالة سابقة: ( لم يأتِ قراري الكتابة فى هذا الموضوع من فراغ، بل كانت هناك ضرورات كثيرة فرضته عليَّ ). فما هي هذه الضرورات؟. نسألك الصدق والشفافية أيها الأستاذ الكبير.
عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين
Read More

الأحد، 12 أبريل 2009

يوسف ندا: خلاف الإخوان والشيعة في الفروع وليس الأصول


11-04-2009
القيادي الإخواني يوسف ندا وصلتني عدة رسائل تطرح سؤالاً عجيباً، عندما كتبت عن علاقة الفكر الإخواني بالشيعة: اعترض عليك مكتب الإرشاد.. فهل هذا بداية صدام بينك وبينهم؟ وأجبت بالآتي:
هذا غير وارد فكما قلت من قبل أنا سطر في موسوعة اسمها الإخوان المسلمون، وفهم قرارات مكتب الإرشاد الذي يرأسه المرشد تعتبر انعكاساً والتزاماً لكل من ينتمي إلى هذه الجماعة، ولا يعنى هذا ألا يختلف رأيي أو رأى أي من الإخوان مع رأى أي من أعضاء مكتب الإرشاد كل على حدة وأكرر على حدة، فمن اعترض كان واحداً فهم رجال ونحن رجال، وقواعد الإخوان فيها إمكانيات مهولة من العلم والفقه والخبرة في كل الميادين، ليس من الحكمة أن تشّل أو ُتخرس أو يزايد عليها باسم الموقع ولكن ممكن أن توجهها القيادة، وعندما أقول القيادة فإنني أعنى مكتب الإرشاد الذي يرأسه المرشد وليس كل عضو بمفرده.
الإخوان وعلاقتهم بالشيعة
وأقول لمن لم يفهم ومن لا يريد أن يفهم بعد أن أصحح حتى لا أتهم بالتنظير، إن خريطة فكر الإخوان المسلمين وحدود علاقاتهم العقائدية والسياسية بالشيعة تغلب عليها التضاريس التاريخية أكثر من الموانع الجغرافية، باعتبار أن أصحاب المذاهب الشيعية نبتوا وعاشوا داخل المحيط الجغرافي للأمة الإسلامية ولم يأتوا من خارجه، ومن المستقر في فكر الإخوان الذي ربيت عليه أن القدوس المقدس هو الله سبحانه وتعالى وبإرساله الوحي على سيدنا رسول الله فقد أضفى عليه من قداسته، أما ما عدا ذلك من أبناء آدم ومخلوقات الله بشراً كانوا أو غير ذلك فلا قداسة لهم، وحتى الخلفاء الراشدون تباينت آراؤهم ولم ينزهوا عن الخطأ، ومن المستقر أيضا في الفكر الذي ربيت عليه في صفوف الإخوان أن على كرم الله وجهه كان أصلح وأتقى من معاوية الذي اغتصب الخلافة، ثم حول المسلمين إلى أدوات له ثم مّلكهم لذريته الفاسدة وهذا تاريخ ثابت لم يؤرخه الإخوان، ومن المستقر أيضاً في الفكر الذي ربيت عليه أن الفقه بذاته وبما يحويه من الاختلافات الفقهية بين المذاهب صناعة بشرية، وهذا الاستقرار الفكري يلزم احترام الأئمة الذين تصدوا لهذه الصناعة.
ومن المستقر كذلك في الفكر الذي ربيت عليه أن باب الاجتهاد لم ولن يغلق ويجب أن يظل على مصراعيه إلى يوم الدين، وأن اجتهادات الأئمة والفقهاء في ظروف تاريخية معينة فرضت فتاوى وتفسيرات ارتبطت بوقتها ولا يجب تعميمها أو استمراريتها، وأهم الأمثلة على ذلك آراء ابن تيمية وابن القيم في طاعة ولى الأمر التي أصبحت سيفا يستعمله الطغاة مغتصبو الحكم بتنصيب أنفسهم أولياء لأمر المسلمين هم وذرياتهم من بعدهم.
ومن الآراء والفتاوى المرفوضة في الفكر الإخوانى ما قيل عن تزمت وتعنت وضيق أفق الشيعة، ونعتهم بالرافضة، وتأليف طوفان من الكتب التي تقول ما ليس فيهم، حتى ظن عامة أهل السنة أن ما جاء فيها من افتراءات وكذب ومبالغة في التزييف والاختلاق هو حقائق ثابتة والواقع، أن كاتبها وناشرها إما موتور أو مفتون أو جاهل أو إمّعة أو سياسي منتفع باع دينه ليرضى السلطان.
ومن المرفوض أيضاً في الفكر الإخوانى ما تخطت به الشيعة الإثنى عشرية إلى الوقيعة في زوجة رسول الله وفى كبار الصحابة طعنا وتكفيرا، وقد شهدت نصوص القرآن والأحاديث الصحيحة على عدالتهم والرضا عن جملتهم، حيث قال الله تعالى (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة)، ومن المستقر في الفكر الإخوانى أن الخلاف في الفروع لا يخرج من الملة، وأن المشكلة الشيعية أصلها خلاف على الولاية والإمامة وليست على قواعد الدين وأصوله أي أنها خلاف سياسي.
وحديثي هنا ليس عن فكر الغزو العقائدي الذي يقوم به من يسمون أنفسهم حاملي الفكر السلفي حيث تسميتهم بهذا الاسم تسمية مضللة فهم أصحاب الفكر القشري المغالى الانتقائي لقد أجهدوا أنفسهم وفتحت لهم المجالات وأعطيت لهم المنابر والخزائن وطبعت لهم الكتب حتى يوقفوا تيار الإخوان المعتدل الذي كسح أمامه كل الأفكار المتزمتة والمتشعوذة والموجهة والمغالية سواء بسواء، وسار هؤلاء الغزاة كالقطيع في خط سمى لهم خط التوحيد والعقيدة أولاً.
والواقع أن الإخوان سائرون لا على مظهر هذه التسمية لكن على مضمونها كما فصّلها الصالحون الأوائل من العلماء والأئمة الذين اهتموا بالجوهر وليس فقط بالمظهر وجمّعوا ولم يفرقوا وأسلموا ولم يكفروا واستقطبوا ولم ينفروا ويسروا ولم يعقدوا وأحبوا ولم يكرهوا وألانوا ولم يغلظوا.
أما من سطوا على التسمية فهم يمرون بمرحلة مراهقة دينية ليظهروا أن كلاً منهم قرأ وسمع بأسلوب استعرض به وعبس وبسر ولم يدرى أنه سمع ورأى وقرأ رأياً واحداً مكرراً ملأ عليه فكره حتى لم يتسع لمعلومة أخرى أو فكر مختلف أو حقائق غائبة وليته جاء بجديد ولكنه يردد صوت سيده الذي أخلى عقله وحشى محله بذور الكراهية والتزمت والفرقة والمغالاة والعمى الفكري والتعالي بقشور العلم والمعرفة.
لقد انفعل هؤلاء وبدأوا برمي سهام ألسنتهم وأقلامهم عندما قلت إن الخلاف بيننا وبين الشيعة الإثنى عشرية هو خلاف في الفروع وليس في الأصول من الدين ولم يسأل أي منهم نفسه أو علمه أو ماذا قال السابقون واللاحقون من أئمة وفقهاء أهل السنة والجماعة ما هي الأصول وما هي الفروع قبل أن يعلق بعلمه الضحل.
أنا والقرضاوي والملف الإيراني

ندا: من حقي أن أختلف مع القرضاوي
لقد كانت كتابتي مركزة وتركت لمن أراد أن يتوسع أن يستفتى كتب الفقه والتاريخ لا كتب شيوخ السلطان المسيسة والمدنسة، ولا أن يجتر معلومات قاصرة تسمم عقيدته وتغير بوصلته، وقد قال أحدهم إنني واقع في متاهة حسن الظن وعدم القدرة على الاستفادة من العلماء من الإخوان وغيرهم مثل الدكتور يوسف القرضاوي الذي كان يحسن الظن مثلى حتى كتب مقالاته النارية التي فضحت مخططات الشيعة في العالم.
إن علاقتي بالدكتور القرضاوى واحترامي له وتقديري لعلمه وسعة أفقه يعرفهم القاصي والداني وهو من أهم الأئمة الذين اقتديت بآرائهم في ديني ودنياي وحتى في حياتي العائلية والاقتصادية ورغم ذلك من حقي أن أختلف معه وتكون لي وجهة نظر مختلفة فيما مارسته وخبرته ومن هذا موضوع الشيعة وإيران وهو يعلم هذا الذي لم يفسد الود والتقدير والمحبة، وهو نفس الدكتور القرضاوى الذي نهشت عرضه وعلمه، حشرات ضارة باسم السلف وتعبدوا بالهجوم الجاهل المضلل على علمه، وأعلمهم لم يقرأ لأكثر من مؤلفين أو ثلاثة، وادعى العلم وزايد على جبال علم القرضاوى وحاول نطحها وارتد خائبا.
لقد كررت أن ما قلته هو ما استقر عليه الفكر الذي ربيت عليه في صفوف الإخوان ولم يلزم الإخوان أحداً بفكرهم، بل اتسع أفق فكرهم بتسامح مع من سار معهم وأراد أن يكون منهم، ولكن يريد أن يتقيد بتقاليد عشيرته وقومه مما يخالف ما استقر عليه فكرهم ولا يتعارض مع الشرع، وضربت على ذلك مثلا بحجاب المرأة، ولا أستطيع ـ ولو تسامحت ـ أن أقبل أن يزايد أحد علىّ في متابعاتي ومعلوماتي عن الشيعة بقراءته قشوراً من الكتب المسيسة أو سماع مناقشات مقيدة أو أقوال أو خطب مبتورة أو وسائل الإعلام المرئية والمسموعة الموجهة فأنا كنت مكلفا بملف إيران لحوالي ٣٠ عاماً منذ آخر ١٩٧٨ وقضيت أوقاتا كثيرة فى طهران، وقم، وكرمنشاه، ويزد، وأصفهان، وبلوجستان، وخوزستان، وعبدان، وقابلت شيعة فى باكستان وأمريكا وإنجلترا والخليج والسعودية ومنهم السياسيون حتى أعلى الهرم الديني والسياسي والوزراء والموظفون والتجار، وناقشت آيات الله، وآيات الله العظمى، وحضرت الحسينيات والعزاءات، بل أيضا محاضرات التوعية فى المعسكرات.
أما آخر ما قرأت من كتبهم مثلاً: أصول الكافي بجزأيه وفروعه الخمسة والصياغة الجديدة لآية الله الشيباني، والفقه والسياسة للشيرازي، وولاية الفقيه للمنتظري، والمراجعات للموسوي، وفقه المذاهب الخمسة لمحمد جواد مغنية وغيرها وغيرها، ومازالت المودة والأخوة الإسلامية التي نشأت بيني وبين الكثير منهم قائمة، ورغم أنى أعيش تحت الإقامة الجبرية منذ السابع من نوفمبر عام ٢٠٠١ حتى اليوم إلا أنى أتعهدهم السؤال دائما. ولذلك أقول إن الرؤية عندي تكونت عنهم بالعقل لا بالنقل ثم يأتي مراهق ديني ليسألني: هل سمعت وهل قرأت؟!
أنا لم أزعم أن فيما قرأت أو قابلت أو عايشت لم أر أو أسمع أو اقرأ ما لا يتفق مع ما أومن به أو ما أعتقده أو ما هو من الغلو، ولكنى مُصر على القول إن التيار الغالب خلافنا معه هو فى الفروع وليس فى الأصول، وقبل أن يردد الببغاوات أقوالهم الضحلة وقبل أن يصنفوا المصطلحات الفقهية بجهلهم به فليسألوا أهل العلم: ما الأصول وما الفروع؟ وليعرفوا أن الخلاف فى الفروع لا يخرج من الملّة ومن رمى بها باء بها.
ويسأل صاحبك من يجرؤ فى أمة محمد بطولها وعرضها أن يقول إن النقاب غلو وإنه لم يؤثر؟ أنا لم أقل إنه غلو وإنه لم يؤثر - رغم وجود هذه الآراء - ولكنى قلت إن ثقافتنا أن المرأة المحجبة يظهر منها وجهها وكفاها، فهل يجرؤ هو على أن يخرجني أو أي مسلمة من أمة محمد إن لم أفرض عليها أو أن رفضت النقاب وتحجبت وأظهرت وجهها وكفيها؟ قولني بما قال ولم أقل ثم هاجم ما تقوّل به على ولم أقله، لقد غيّب موضوع البحث واختلق غيره، وفى دفاعه عمّا اختلقه ونصب فقهه وفهمه بالولاية على أمة محمد.
وقال غيره حقيقة إن أحدنا لو سمع عرض أمه أو أخته ينتهك على قارعة الطريق لنصب العداء لكل من تكلم فى عرضه فما بالك وعرض أمهات المؤمنين يسب من الوسطيين الذين يحلو ليوسف ندا أن يصفهم بهذا اللفظ.
أنا أقول له: لك أن تثور وتدافع عن عرضك وأعراض المؤمنين والمؤمنات خاصة من كانت أفضل من أمك ولكن ليس لك أن تتهم من ارتكب هذه الخطيئة بالكفر، وتخرجه من الملة. فليس كل مخطئ كافراً كفانا تكفيراً، فلقد سئم المتدينون قبل غيرهم من هؤلاء التكفيريين الذين أفسدوا الدين وحياة المسلمين وغير المسلمين.
وغيره تذرع بتصريح ناطق نورى بأن البحرين هي جزيء من دولة إيران وحوّل حديث السنة والشيعة إلى هو وإيران أو البحرين وإيران فهل نسايره ونقول له إيران وحماس، أم نقول له سلاماً؟
وقال إذا تم استغلال حرصنا على الوحدة ونبذ الخلاف في السعي لنشر مذهبهم، فحينئذ سنضطر إلى شرح تفاصيل الخلاف والعيوب لتحصين عامة أهل السنة من الانحياز بجهل إلى المذهب الآخر. أقول له: قف، من أنت؟ إن الخطأ حتى لو اعتبر خطأ لا يبرر الخطأ.
ثقافة الإخوان والمذهب الشيعي

ندا : ثقافة الإخوان لا تنذر ولا تهدد
هذه الثقافة ليست ثقافة الإخوان إن ثقافتنا لا تنذر ولا تهدد.. إننا لو واجهتنا فتنه علينا وأدها لا إشعالها ونتبع من قال (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة)، (وجادلهم بالتي هي أحسن)، ( وقولوا للناس حسنا) ( وقولا له قولا لينا).
وجاء آخر وقال: (إن يوسف ندا خرج عليه يدافع عن المذهب الشيعي وينفى عنه جُل ما أجمع عليه علماء أهل السنة من عيوب، وكأنه يدعو للدخول فيه أو على الأقل لا يفرق بينه وبين مذاهب أهل السنة وإن كان وقع فى تناقض عندما نسب إليهم تكفيراً ولعن أم المؤمنين وكبار الصحابة؟) أولاً أنا لم أنف جُل ما أجمع عليه علماء أهل السنة، اللهم إلا إذا اعتبرت نفسك أنت ومن هو على فهمك، جميع علماء أهل السنة،
ولا ادري كيف فهم تقرير الواقع بأنه وقوع فى تناقض! لقد غيّب موضوع البحث واختلق غيره، وفى دفاعه عمّا اختلق، اتهمني بأني أنفى جل ما أجمع عليه علماء أهل السنّة وكأنني أدعو للدخول فى المذهب الشيعي أو على الأقل لا أفرق بينه وبين مذاهب أهل السنّة؟ وهذا الأسلوب هو صورة طبق الأصل للسطحية التكفيرية الضحلة بخلق التهمة ورميها على بريء ثم تكفيره بها أو إخراجه من الملة بنفي ما اجمع عليه علماؤها.
وأنا أسأله هل الحديث الشريف الذي علّم به جبريل عليه السلام المسلمين دينهم، والذي ذكرته من قبل وشرح فيه الإسلام والإيمان والإحسان، يلزمنا باعتبار الشيعة الإثنى عشرية من هؤلاء أم عندك يا صديقي مفاتيح أخرى تدخل بها من تشاء وتخرج من تشاء من ساحات الإسلام والإيمان والإحسان الذي حدده المصطفى وصدق عليه جبريل..
وهل من يدعو إلى الله على بصيرة لا يستطيع أن يفرق بين الخطيئة والكفر أو لا يستطيع أن يفرّق بين الخطيئة الكبيرة فى التعدي بالسباب على الصحابة الأطهار وأم المؤمنين رضي الله عنهم وبين الخروج من الملة؟!
وهل الأفضل للمسلمين توضيح أصول الدين والرد على الشبهات أم أن ذلك كما تقول يسيء ويثير الشبهات ويؤلب كثيراً من أهل السنة وهل علينا أن نجهر بالحق أم نميعه، بل هل نفهم الإسلام وننشره أم نمشى مع التيار؟
إن المعلومات والكتب الدينية المتاحة والمبتورة والمعلومات السياسية المنتشرة والموجهة والمغرضة والحرب الفاجرة المستمرة على أهم جماعة إسلامية عرفها العالم فى العصور الحديثة.. كل ذلك لا يدع مجالا لتغيير التركيبات الكيماوية لجينات الإخوان المسلمين أو إدخال خلايا فكرية فاسدة فى جسم الجماعة الطاهر.
والعجيب أن يتصور أن بعض العشرات من التعليقات القاصرة تؤخذ على أنها إحصاء منه يعلّم رأى وثقافة الملايين من الإخوان فى كل العالم ؟ يا قوم ما هكذا تورد الإبل.
أنا لا أدّعى التنظير ولا أدعى الإمامة ولا أدعى مرتبة كبرت أم صغرت فى الفقه أو فى قيادة جماعة الإخوان، فلم يكن أي من ذلك مما مارسته أو هيئت له أو دربت عليه ولكنى أتحدث عما ربيت عليه فى رحلة ستين عاما فى صفوف الإخوان فى الأسر وفى الشعب وفى الكتائب وفى الجوالة وفى المعسكرات وفى التجمعات وفى المظاهرات والمؤتمرات والمسيرات والمعتقلات والسجون وفى الأعمال الخيرية وفى الخدمات الاجتماعية وفى السياسة القطرية وفى السياسة الدولية وفى الاقتصاد وفى الصناعة وفى التجارة وفى المال وفى البنوك..
فكل هذه المجالات هي الساحات التي يتحرك فيها الإخوان من منطلق عقائدي ولو أدت بكثير من قادتهم وناشطيهم إلى السجون والمعتقلات، وهذه كدمات وإصابات فى طريق الدعوة إلى الله، تصوروها وقبلوها قبل أن يواجهوها. ونسأل الله العافية لمن رضي بها وفك الأسر لمن كتب عليه والله اكبر ولله الحمد.
قيادي في جماعة الإخوان مقيم في سويسرا
Read More

السبت، 21 فبراير 2009

خرق سفينة الدعوة ... مبرر الاخوان لحذر النشر



صلاح الدين حسن


قامت جماعة الإخوان المسلمين منذ أيام قليلة بتوزيع منشور على قواعدها يحمل عنوان: "لا تخرقوا سفينة الدعوة" لم توجه فيه الجماعة انتقادًا لاذعًا وهجومًا عنيفًا على كل من يبدي آراء منتقدة للجماعة وقياداتها علنا وخارج إطار الجماعة فحسب، بل إنه جاء في سياق لغة تربوية وتكليفً منهجي وتنظيمي بدا أن القصد منه هو توجيه القواعد الإخوانية إلى الاتجاه المحافظ في الجماعة، وتحصينها من موجة التيارات الانفتاحية الجديدة التي هبت رياحها مع خريف الحراك السياسي المصري مطلع الألفية الثالثة والتي أظهرت التمايزات الفكرية بين كوادر الجماعة، وكان من أبرز تجلياتها ظهور حركة المدونين الإخوان التي أزعجت قيادات الجماعة، ولم تستطع أن تتجاهلها فحاولت احتواءها عاطفيا وتنظيميا عن طريق عقد لقاءات ودية مع رموز المدونين والعاملين في مجال الصحافة والإعلام والذين يتبنون مواقف تخالف آراء قيادات الجماعة.
ومع أن المدونين أنفسهم أعلنوا عن فشل هذه اللقاءات؛ بسبب ما وصفوه بسياسة "الاحتواء لا الحوار" التي اتبعتها قيادات الجماعة وعلى رأسهم محمد مرسي الذي يعد صقرا من صقور مكتب الإرشاد، إلا أن الجماعة واصلت المحاولات، وأظهرت سياسة جديدة في لقاءات أخرى مع مدونين وصفها المدون الشهير مصطفى النجار وقتذاك بأنها ناجحة. لكن اللافت أنه بالتوازي مع سياسة الاحتواء قامت قيادات الجماعة بتوزيع ملفات دراسية على أسرها تتضمن منشورًا كان في الأصل عبارة عن مقال لأحد الصقور التربويين في الجماعة وهو إسماعيل حامد يضع فيه محددات وآليات تربوية وتنظيمية لعملية الاختلاف الداخلي وإبداء الرأي داخل الجماعة، وقد لقي هذا المقال ردود أفعال غاضبة من رموز المدونين الإخوان وكتبوا تدوينات ردوا فيها على الآراء التي طرحها حامد، منها على سبيل المثال ما كتبه الدكتور مصطفى النجار أحد مدوني الجماعة، قائلا: "وزع الأستاذ الفاضل صكوك الغفران وشارات الانتماء طبقا لوجهة نظره، بينما نزع الولاء والانتماء والوفاء والفهم عن كل من خالفه أو فعل شيئا سيادته غير مقتنع به، فالكل قد خرق سفينة الدعوة وهو وحده -بارك الله فيه- مسئول عن تحديد ذلك...".
ويبدو أن الجماعة تعاملت بوجهين الوجه الأول مع شباب المدونين الذين حاولت احتواءهم ظاهريا لدحر خطرهم الفكري، وفي ذات الوقت قامت بتأمين قواعدها وتطعيمهم ضد خطر انتشار فيروس الأفكار الجديدة التي انتشرت في الفضاء الإلكتروني واستخدمت خطابين خطابا لمنتسبيها الجامحين يبدي قدرا كبيرا من المرونة، وخطابا آخر في غرف الأسر المغلقة يبدي سياسة الجماعة بشكل أكثر وضوحا، ويكشف حقيقة تمكن التيار التقليدي فيها، وهو ما يظهره المنشور بوضوح؛ فقد عدَّد مظاهر وصور هذا الخرق، وكانت الجماعة قبل ذلك تبتعد عن تحديد صور وآليات محددة تنظم العلاقة بينها وبين أجنحتها العاملة في مجال الكتابة والصحافة والتدوين، وهو:


"من يخالف قرارا صدر من قادة دعوته بعد مشورة تنظيمية ويجاهر بخلافة في وسائل الإعلام، ومن سمحت له نفسه بأن يتطاول على أساتذته في الدعوة دون مراعاة وداد لحظة سابقة، ومن يتجاوز كل القنوات الشرعية والتنظيمية للنصيحة وإبداء الرأي ويعرضها على الملأ، ومن لم تجد إلا عالم الإنترنت لتكتب رسالتها إلى والدها المرشد، وتركت كل قنواتها الشرعية والتنظيمية -في إشارة إلى المدوِّنة الإخوانية التي انتقدت مرشد الجماعة على مدونة، ورفضت الحوار مع قيادات الجماعة في غرف مغلقة- ومن لا يجد إلا رسائل الطعن في جماعته عبر المدونات فينقلها إلى الصحافة بدون وعي، ومن لم تجد إلا عالم التدوين لتنفس عما في نفسها تجاه دعوتها، ومن يستجيب لشبهات الآخرين ضد قادة دعوته ويجاريهم في أطروحاتهم دون تبين وجه الحق، ومن حركته دوافعه الشخصية لا همومه الدعوية وانتقص من دعوته وقيادته، ومن شغلته رغباته الذاتية عن أهداف سفينته الدعوية، ومن عبر عن رأيه بصورة جارحة وبغير التزام بأدب النصيحة وفي كل باب مفتوح له، ومن احتضن تجمعا عاما عبر قنوات غير تنظيمية لفرض رأي مغاير لسياسة دعوته وقادته، ومن تناجى دون قيادته وأحدث في دعوته جيوبا هنا وهناك، ومن طعن في آلية اتخاذ القرار في دعوته وطعن في قياداته وشكك في مصداقيتها متهما إياها بالقعود والتخاذل، واصفا إياها بالتردد في سياستها أو أنها صاحبة صفقات رخيصة...".
وكان القيادي التربوي في الجماعة إسماعيل حامد قد كتب مقالا نشره موقع الجماعة الرسمي حمل العنوان ذاته، وقوبل بهجوم عنيف من مدوني الجماعة وقتها، وقالت مصادر في الجماعة إنه يعبر عن رأي صاحبه، إلا أن الجماعة منذ أيام قليلة قامت بتوزيع هذا المقال بعد إعادة كتابته بشكل مفصل على قواعد الجماعة بالمحافظات لدراسته ضمن مناهج الأسر التي لا يقل تراتيبها التنظيمية عن أسر العاملين والمنتظمين، في حين حجبت عن أسر المؤيدين والمحبين والمنتسبين، ووضعت الجماعة هذا المنهج في قائمة المناهج السرية التي يجب ألا يطلع عليها أحد".
توجهنا بالسؤال إلى مسئول التربية في الجماعة محمود عزت عن أسباب تحول مقالة قالت الجماعة وقتها إنها لا تعبر إلا عن رأي صاحبها إلى منهج تربوي يدرسه أعضاء الجماعة في الأسر، برغم ما لقيه المقال من اعتراض كبير بسبب ما تضمنه من رفض صريح للرأي الآخر.. رفض عزت تأكيد أو نفي الموضوع، معتبرا أنه ليس أوانه الآن الحديث فيه، فاعترضنا حديث عزت بسؤال: إذا كان هذا ليس أوان الحديث في هذا الموضوع فلماذا تم توزيعه على قواعد الجماعة في هذا الوقت؟ فطلب عزت معرفة المحتويات فأجبناه وذكرنا له الصور التي ذكرناها بداية، فقال عزت: إن هذه المسائل ليست محلا للحديث فيها إلى وسائل الإعلام.
ومن جهته، رفض جمعة أمين الإجابة عن سؤالنا له، مبررا ذلك أنه لا يجوز أن نتحدث في مثل هذه المسائل في ظل ما تعانيه غزة الآن، مضيفا أنه لا يتحدث إلى الصحافة أصلا.
صحفي مصري
Read More

Services

More Services

© 2014 صلاح الدين حسن. Designed by Bloggertheme9 | Distributed By Gooyaabi Templates
Powered by Blogger.