من أنا

صورتي
القاهرة
كاتب صحفي متخصص في الجماعات والحركات الاسلامية في مصر والعالم رقم هاتفي 0020109899843 salaheldeen1979@hotmail.com

Most Popular

السبت، 25 ديسمبر 2010

الإخوان يردون على العقالي

صلاح الدين حسن
في رده على المستشار الدمرداش العقالي يرى الباحث الإخواني، إسماعيل تركي، أن ما جاء على
لسان العقالي حوى "مغالطات وأخطاء تاريخية". وفي حديث خاص لأون إسلام، نفى أن يكون مؤسس الجماعة الشيخ حسن البنا قد أوصى لجمال عبد الناصر بتولي مسؤولية الإخوان من بعده "لأن عبد الناصر عند وفاة الإمام البنا كان شابًّا في نهاية العقد الثالث من عمره، ولم تكن ثقافته الشرعية تؤهله".

كما ينفي تركي وهو مدير "مركز البصائر للدراسات والبحوث" صحة الحديث عن أن خليفة البنا المستشار حسن الهضيبي جاء بإرادة ملكية ولم يكن مقبولا من الإخوان، مشيرا إلى أن رجل القضاء حسن الهضيبي اشترط موافقة جميع أعضاء الهيئة التأسيسية وعدم اعتراض أي منهم حتى يقبل أن يكون مرشدًا، وهو ما حدث فقد وافق الجميع باستثناء حامد أبو النصر الذي امتنع عن التصويت.

ويوضح أن الهضيبي حين أهداه الملك فاروق صورته وضعها في دورة المياه، ولم يضعها في صالون منزله أو في المركز العام. مكذبا أيضا القول بأنه (الهضيبي) لم يوافق على ثورة يوليو 1952 معتبرا ذلك "هراء" لأن الثورة "تأخرت يوما" حتى يتم استئذان الهضيبي، "وقد ذهب إلى الإسكندرية المهندس حلمي عبد المجيد؛ حيث يقيم المرشد واستأذنه في قيام الثورة، وقد وافق الهضيبي على ذلك". ويرى تركي في زيارة عبد الناصر قبر حسن البنا "محاولة لإيهام الإخوان بأنه ليس مختلفًا مع الإخوان، وأنه مختلف فقط مع حسن الهضيبي".

الأمر الوحيد الذي اتفقاعليه المستشار الدمرداش العقالي والمشرف على موسوعة الإخوان "ويكي إخوان" هو انتماء جمال عبد الناصر للجماعة، انتماء كاملا .

فإلى نص الحوار:

* ما تعليقك على ما وصف بـ "المذكرات" التي نشرت للمستشار الدمرداش العقالي؟

** هذه المذكرات التي كتبها الصحفي سليمان الحكيم حول مذكرات المستشار الدمرداش العقالي حوت الكثير من المغالطات والأخطاء التاريخية، وقد حاول الكاتب في مقدمته الإيهام بأن المستشار الدمرداش العقالي كان من زعماء "النظام الخاص" وزعماء طلبة الإخوان، وهذا غير حقيقي؛ فالمستشار لا يعدو أن يكون في تلك الفترة واحدا من طلبة الإخوان، وقد يكون ممن شارك في النظام الخاص بعد عودة الجماعة في عام 1951م.

كما حاول الكاتب أن يجعل المستشار الدمرداش العقالي ندًّا لسيد قطب (المفكر الإسلامي)، فيقول: «إنهما كانا صديقين في مرحلة الطفولة والشباب»، واستدل على ذلك بأنهما من نفس البلدة، وهو دليل عجيب؛ إذ الثابت أن فارق السن بينهما حوالي ثلاثين عامًا، فمتى كانت صداقة الطفولة والشباب.

ثم إن الكاتب حاول أن يوهم القارئ بأنه التقى المستشار الدمرداش العقالي وسجل ذكرياته، والحقيقية أن هذه الكلمات المنشورة سبق أن نشرت في جريدة "الأنباء" الكويتية من فترة طويلة، والمدقق فيما كتب يمكن أن يتبين أنها كتبت منذ فترة طويلة، فقد ذكر في أثناء الحديث وصف للمستشار مأمون الهضيبي (المرشد الأسبق توفي عام 2004) بأنه المتحدث الرسمي باسم الإخوان الآن.

كان عبدالناصر "شابا" عند وفاة البنا

* دعنا نناقش مضمون المذكرات أو الحوارات، فما ردك على أن البنا كان قد أوصى قبل مقتله لعبد الرحمن السندي وجمال عبد الناصر بمسئولية الإخوان؟

** هذا محض خيال؛ لأن عبد الناصر عند وفاة الإمام البنا (1949) كان شابًّا في نهاية العقد الثالث من عمره، ولم تكن ثقافته الشرعية تؤهله لا هو ولا السندي لأن يكون أحدهما مرشدًا للإخوان، فضلاً عن أن صالح حرب ـ الذي قيل أنه تسلم هذه الوصية ـ كان في أسوان عند اشتداد أزمة الإخوان مع حكومة إبراهيم عبد الهادي (رئيس وزراء في عهد الملكية)، كما أن عبد الناصر كان يمكن أن يستفيد من هذه الوثيقة في خلافه مع المستشار الهضيبي (توفي 1973) الذي استخدم فيه كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة؛ فلماذا لم يستخدم هذه الوثيقة؟ فضلاً عن أن القريبين من السندي والمؤيدين له لم يذكر أحد منهم هذه الوثيقة، وقد كتبوا الكثير عن الخلاف بين السندي والهضيبي، وكانوا أقرب إلى السندي من المستشار الدمرداش العقالي، مثل أحمد عادل كمال، ومحمود الصباغ؟! لكن الذي لا خلاف عليه مع المستشار العقالي أن عبد الناصر كان من الإخوان، وكان في الصف الأول من ضباط الإخوان في الجيش المصري.

*هل حقا كان الباقوري ناقما على البنا بسبب أن البنا قد أخفى عنه التظيم الخاص؟

** هذا عكس الحقيقية؛ لأن النظام الخاص اكتشف في 15 نوفمبر عام 1948م، وحلت الجماعة في 8 ديسمبر 1948م، وعندما اعتقل كل الإخوان وضيق الخناق على الإمام البنا أوصى (أحمد حسن) الباقوري بالعمل كمرشد للجماعة في حالة غيابه، وحتى تعود للجماعة مشروعيتها، ثم يختار الإخوان مرشدًا لهم، وقد أدى الباقوري المهمة المنوط بها حتى عادت الجماعة، كما أن الباقوري (عينه عبد الناصر وزيرا للأوقاف بعد الثورة) لم يذكر الإمام بسوء طوال حياته.

الثورة تأخرت يوما حتى استئذان الهضيبي

* العقالي حاول إثبات أن الهصيبي جاء بإرادة الملك لكي يقف بالجماعة عند أبواب القصر الملكي؟

** الثابت تاريخيًّا أن الإخوان لم يفكروا في اختيار مرشدًا جديدًا لهم إلا بعد خروجهم من السجون، في عهد وزارة الوفد، وقد انحصر الاختيار بين أربعة لا خامس لهم، وهم: عبد الرحمن البنا، وعبد الحكيم عابدين، والباقوري، وصالح عشماوي، والذي كان مرشح النظام الخاص، واستمر الخلاف حتى اقترح الأستاذ منير الدلة وبعض الإخوان في السلك القضائي اسم المستشار حسن الهضيبي حسمًا للخلاف، والذي رفض المهمة في البداية، ثم اشترط موافقة جميع أعضاء الهيئة التأسيسية وعدم اعتراض أي منهم حتى يقبل أن يكون مرشدًا، وقد وافق الجميع باستثناء الأستاذ حامد أبو النصر (المرشد العام الرابع للجماعة توفي عام 1996) الذي امتنع عن التصويت.

أما القول بأنه قابل الملك وقال عن المقابلة: «إنها مقابلة كريم لملك كريم»، والزعم بأن أحد من السياسيين لم يكن يجرؤ على وصف الملك بهذا الوصف؛ فالثابت أن الهضيبي حين أهداه الملك فاروق صورته في تلك المقابلة وضعها الهضيبي في دورة المياه، ولم يضعها في صالون منزله أو في المركز العام، كما أن النحاس باشا حين كلفه الملك في عام 1950م بالوزارة رجا الملك أن يسمح له بتقبيل يده الكريمة، ولم يكن أحد يجرؤ على إعلان النقد للملك، بل إن شيخ الأزهر عبد المجيد سليم (تولى المشيخة في العهد الملكي قبل ثورة 1952) حين ذكر عبارته الشهيرة (تقطير هنا وتبذير هناك)، وذلك تعليقًا على ما صرف على تجديد يخت الملك وضغط ميزانية الأزهر، أقيل من منصبه.

* وماذا عن علاقة الهضيبي بالملك عن طريق المستشار نجيب سالم ناظر الخاصة الملكية؟

** هذا النسب سابق على تعيين نجيب سالم ناظرًا للخاصة الملكية، كما أن تعيين نجيب سالم نفسه تمَّ؛ لأنه كان رئيسًا لإحدى محاكم الاستئناف، وتمَّ تعيينه بعد خروجه على المعاش من القضاء، وذلك توفيرًا للنفقات؛ حيث إنه كان يحصل من الخاصة الملكية على الفارق بين المرتب والمعاش، ولا يحصل على راتب كامل من الخاصة الملكية، وكان هذا تقليدًا معمول به لتوفير النفقات.

* لكن الهضيبي لم يوافق على الثورة ورفضها في بدايتها، كما قال العقالي؟

** هذا هراء لأن الثورة تأخرت يوما حتى يتم استئذان المرشد حسن الهضيبي، وقد ذهب إلى الإسكندرية المهندس حلمي عبد المجيد؛ حيث يقيم المرشد واستأذنه في قيام الثورة، وقد وافق الهضيبي على ذلك، وكان المهندس حلمي عبد المجيد في ذلك الوقت هو مسئول النظام الخاص، وليس عبد الرحمن السندي.

* وماذا عن اعتراضه على خروج المشاركين في أحداث العنف السابقة على الثورة؟

** هذا محض خيال؛ لأن الذي اعترض عليه الهضيبي هو محاكمة المدنيين عسكريًّا، وكان ذلك بمناسبة محاكمة إبراهيم عبد الهادي عسكريًّا.

* لكن العقالي ذكر أن الخلاف بين عبد الناصر والهضيبي بدأ بخلاف بين السندي والهضيبي، وأن عبد الناصر كان على الحياد.

** هذا مجافاة للحقيقة، فقد حرص عبد الناصر مع السندي على إجبار المرشد حسن الهضيبي على الاستقالة، وكذلك ساعده وحرَّضه على حصار المركز العام.

عبدالناصر أطلق الشيوعيين للاستهزاء بالشيخ الغزالي

* وما رأيك في زيارة عبد الناصر لقبر حسن البنا؟

** هي محاولة إيهام الإخوان بأنه ليس مختلفًا مع الإخوان، وأنه مختلف فقط مع حسن الهضيبي، ونجح في استدراج بعض الإخوان لهذا الفخ، ثم عاد واستدار عليهم فحبس الباقوري في بيته ما يقارب الخمس سنوات، وعرَّض به في خطبه، وأطلق الشيوعيين للاستهزاء بالشيخ الغزالي والنيل منه.

* ذكر العقالي أن مظاهرة عابدين كانت للشيوعيبن؟

** هذه أحد العجائب، فالمعروف أن هذه المظاهرة كانت إخوانية دفع الشهيد عبد القادر عودة ثمنها رقبته، كما أن هذه المظاهرة لا سيما الجزء الطلابي منها والذي خرج من جامعة القاهرة قادها المرحوم الدكتور عبد الصبور شاهين باعتباره وجه إخواني غير معروف، وقادها حتى خرجت من باب الجامعة، ثم قادها الإخوان من الطلاب المشهورين، وقد أبلغ الدكتور عبد الصبور شاهين بهذا التكليف الدكتور رشاد بيومي نائب المرشد الحالي، وهو لا يزال حيا يرزق، ويمكن سؤاله في ذلك.

كما أنه من المشاهد المشهورة في تلك المظاهر أن (المعلم إبراهيم كروم) فتوة بولاق كان يمتطي صهوة جواده، ويطلق أعيرة نارية في الهواء، وهو معروف بأنه كان من الإخوان، كما أن المظاهرة لم يستطع أحد صرفها إلا الشهيد عبد القادر عودة.

قطب لم يسمع بالبنا إلا بعد اغتياله

* هل كانت هناك منافسة بين حسن البنا وسيد قطب وأن قطب كان يصف حسن البنا بحسن الصباح؟

** سيد قطب باعترافه أقر بأنه لم يسمع عن حسن البنا إلا عندما وجد الأمريكان يشربون نخب اغتياله.

* وهل الخلاف بين سيد قطب وعبد الناصر كان خلافًا شخصيًّا حينما اتجه عبد الناصر لتعيينه وزيرًا للمعارف في وزارة محمد نجيب، وذلك بعد إقالة وزارة علي ماهر، وأن عبد الناصر خلف وعده، وعيَّن كمال الدين حسين بدلاً منه، لذلك نقم عليه سيد قطب؟

** هو محض خيال يخالف التاريخ والواقع، وذلك لأن وزارة علي ماهر (تولى الوزارة في عهد كل من الملكين فؤاد الأول وفاروق) استمرت خمسة وأربعين يومًا فقط لا غير، ثم جاءت وزارة نجيب بعد ذلك، وكان وزير المعارف فيها إسماعيل القباني وليس كمال الدين حسن؛ فكيف يصبح هذا السبب مع الكلام السابق بأن سيد قطب تولى منصب سكرتير عام مساعد لجمال عبد الناصر الذي أصبح سكرتيرًا عامًّا لهيئة التحرير، والثابت تاريخيًّا أن هيئة التحرير تشكلت بعد تلك الوزارة بفترة غير وجيزة؟!

ويبدو من هذه الأحاديث أن المستشار الدمرداش العقالي ذو خيال واسع، وأنه صاحب رؤية يحاول إثباتها والتدليل عليها بوقائع وأحداث لا ظل للحقيقة فيها، كما أنه يعيد ترتيب الوقائع التاريخية لا حسب ترتيبها الزمني، ولكن حسب ما يساعد في التدليل على رؤيته.
Read More

الدمرداش العقالي ... عبدالناصر بريء والبنا أوصي له من بعده

صلاح الدين حسن
قضى الدمرداش العقالي عدة سنوات عضوًا في الجهاز الخاص للإخوان المسلمين، على حد قوله، وزعيمًا لطلبة الإخوان في الجامعة، مطلع الخمسينيات من القرن الماضي، لكنه ظهر عام 2010 ليقول إن مؤسس الجماعة الشيخ حسن البنا كان يعد لمشروع انقلابي، وأنه أوصى قبل حادث اغتياله بساعات بأن تكون قيادة الإخوان من بعده لعبد الرحمن السندي من الجماعة وجمال عبد الناصر.

ويرى العقالي -كما جاء فيما نشر له في صحيفة "المصري اليوم" على عدد من الحلقات- أن عبد الناصر "كان نبتة إخوانية" ولم يخطئ خطأً واحدا في حق الجماعة!، وأن صدامه بالجماعة كان بسبب صراعات القيادة داخلها، كما برأ العقالي عبد الناصر من دم المستشار عبد القادر عودة، وأرجع انقلاب سيد قطب على عبد الناصر إلى مصلحة شخصية. ضمن جملة من الاتهامات كانت مثار جدل، وهو ما دعانا إلى مقابلة الرجل للوقوف منه على حقيقة المنشور على لسان والتثبت من صحة ما قاله.

فإلى نص الحوار كاملا:

تصريحات قديمة أعيد نشرها

* ما سبب نشر مذكراتك الآن لمهاجمة قيادات الإخوان التاريخية، خاصة أننا على أبواب معركة انتخابية؟

** الحقيقة أنني لم أنشر مذكرات، لكني فوجئت بها منشورة في صحيفة "المصري اليوم"، وهذه ليست مذكرات، بل حوارات نشرت في مجلة "الأنباء" الكويتية منذ 30 عاما، لكن الصحفي أعاد نشرها دون الرجوع إلي، وجاء النشر مخلا، لكنه توقف عند 6 حلقات -استكملت فيما بعد- ولا أدري لما نشرت الآن؟ ولا لما توقفت؟ لكني لا أريد أن أستبق نيات الصحفي حتى استوضحه.

هو لم يجر هذه الحوارات معي، لذلك استخدم عبارة "كتبها" التي تفيد أنها منقولة بتصرف منه وليست مذكرات طبق الأصل، وكنت انتظر حتى تفرغ "المصري اليوم" من النشر حتى أصحح ما أراه غامضا أو أكشف ما أراه ملتبسا.

الجذور الإخوانية لعبد الناصر

* كتب على لسانك، أن عبد الناصر لم يكن فقط جزءًا من حركة الإخوان المسلمين بل كان نبتة إخوانية منذ الأساس، مع أن معظم المصادر ذكرت أن علاقته بالإخوان لم تكن الوحيدة وأنه كانت له علاقة بالحركات الوطنية والشيوعية الفاعلة على الساحة حتى (حدتو) الشيوعية؟

** علاقة عبد الناصر بالإخوان لاشك فيها، ولو قمت بجمع كل ما كتبه ضباط الثورة الذين كتبوا مذكرات -وعلى الأخص ما كان معروفا عنه أنه من الإخوان مثل المرحوم حسين أحمد حمودة- ستجده يذكر في كتابه (الإخوان والثورة) أن جمال عبد الناصر، وخالد محيي الدين، وكمال الدين حسين أقسموا اليمين أمام عبد الرحمن السندي، ممثل الإخوان، وبايعوا البنا في لقاء منذ سنة 1942، لكن علاقة عبد الناصر بالجماعة تأكدت بسلوكيات الشيوعيين والاشتراكيين ضده بعد الوحدة مع سوريا..

ففي عام 1958 جاءت كل فصائل سوريا إلى القاهرة بزعامة شكري القوتلي تطلب الوحدة مع مصر إلا أن الإخوان في سوريا بقيادة الشيخ مصطفى السباعي كانوا قد أقاموا الدنيا وأقعدوها عقب الخلاف مع الإخوان عام 1954 وهاجموا عبد الناصر، وسيروا مظاهرات كبيرة جدا عام 1954، إلا أنه بعد الوحدة كان مسلك عبد الناصر في دمشق حينما ذهب إليها واضحًا لدى الشيوعيين والاشتراكيين، بحيث أن الفريق عفيف الدجري رئيس أركان الجيش السوري الذي طلب الوحدة، وخالد مقداد زعيم الحزب الشيوعي، وأكرم الحوراني، وصلاح الدين البيطار، هربوا كلهم من سوريا، واعتبروا أن عبد الناصر قد التقى بجذوره الإخوانية ممثلة في مصطفى السباعي..

والفريق الذي قام بانقلاب الانفصال هم الذين قالوا ذلك في مذكراتهم التي اعتبروا فيها أن عبد الناصر كان قد التقى بجذوره الإخوانية، ومنهم موفق عصافة وهؤلاء -الذين قاموا بانقلاب الانفصال- كان عبد الناصر قد وضعهم في قيادة الجيش بناء على توجيهات الشيخ السباعي له، لأن السباعي كان يعتبرهم مستأمنين، لكن للأسف الشديد الانشقاق داخل حركة الإخوان هناك على السباعي، وخروج بعض القيادات، هو الذي أدى لوقوع الانفصال، ومعقباته.

لكن جمال عبد الناصر حسن علاقته بالإخوان المسلمين، وهي العلاقة المتفق عليها أما علاقته (بحدتو) فكانت مجرد محاولات للشيوعيين ومصر الفتاة لضمه، وكان مازال صغيرا لديه تطلعات للعمل العام، ومن لديه تطلعات للعمل العام قد يمر على أكثر من قافلة سياسية، لكن المرور شيء والاعتناق والممارسة شيء آخر.

زار قبر حسن البنا يوم اعتقل الهضيبي

جمال عبد الناصر لم يقف على قبر في حياته إلا قبر حسن البنا، لم يكن من زوار القبور ولا وقف على أضرحة، لكنه زار قبر حسن البنا في اليوم الذي اعتقل فيه الهضيبي في يناير 1954 والزيارة كانت مشفوعة بكلمات منه كما لو كان يشكوا إلى مؤسس الحركة.

والشيخ الغزالي، وهو أحد رموز الإخوان فكريا، كتب في مجلة "الدعوة" عقب الوقيعة بين عبد الناصر والإخوان كتب يتهم الهضيبي أنه ماسوني، وأنه مدسوس على الحركة الإسلامية، وكتب كتابات مستفيضة في هذا، وأتى برتبة الهضيبي في المحفل الماسوني.

وآخر تصريح للمرشد المرحوم حامد أبو النصر عندما سُأل عن علاقته بالإخوان فقال بالنص: "نعم كان عبد الناصر معنا، وكنا بنقعد على الحصيرة ناكل جبنة وعيش حاف، لكن ليس لأنه كان معنا أنه لا يختلف معنا".

فالثابت أن عبد الناصر كان من الإخوان، لكن الذي يبحثه المدقق التاريخي هو: فيما وقع الخلاف؟ فلولا حركة الإخوان المسلمين ما تغير التاريخ عن الملكية، ولا يمكن أن يتم تغيير في سلم الحياة السياسية في مصر من غير الإخوان، ومن غير الطاقة الإسلامية التي تمثل نبض الشارع المصري، ولم يكن فاروق ليطرد لولا جمال عبد الناصر نبتة الإخوان المسلمين.

* لكنك في سبيل إثبات إخوانية عبد الناصر استدللت بوقائع مرسلة لا يؤيدها دليل، مثل تمكن الفكرة الإخوانية منه وإيمانه بأنه لا خلاص للأمة إلا من خلال الدين لمجرد مكثه في السودان الذي كان يعج بالتيارات الوطنية الإسلامية، التي كانت تصبغ الحس الوطني والقومي بالعاطفة الدينية منذ ثورة المهدي وحركة الميرغني؟

** ارجع لكتابات حسين أحمد حمودة، وهو معاصر لعبد الناصر في الدفعة والرتبة، وهو الذي اختلف مع عبد الناصر لا لأن عبد الناصر لم يكن من الإخوان بل لأنه كان من الإخوان ثم انقلب عليهم، ففي تصور حسين أن عبد الناصر إخواني خارج عن الصف وليس من خارجه.

عبد الناصر "أخ عامل"

* كون أن عبد الناصر بايع البنا والسندي لا يعني أنه كان إخوانيًّا أصيلا، فالجماعة كانت مفتوحة في ذلك الوقت، ثم إن خالد محيي الدين الشيوعي قد بايع، فهل كان إخواني هو الآخر؟

** لم يكن البنا ولا السندي -رحمهما الله- يقبلان بالبيعة أو يتصورانها إلا ممن اعتبر "أخا عاملا" ثم انسجم في الجهاز الخاص لأن البيعة هذه هي أخص البيعات في الإخوان، بمعنى أنه لا يأتي بأحد يبايع من الشارع، لكن خالد محيي الدين غير لونه بعد ذلك عكس عبد الناصر.

ثم إن خالد محيي الدين كان من أنصار محمد نجيب، وكان نجيب يعتبر أن الإخوان هم القوة التي خلف عبد الناصر، وحاول نجيب أن يخترق هذه القوة لكسب حسن الهضيبي، والهضيبي رجل فاضل في أخلاقه الإنسانية، لكن لم يكن من الإخوان على الإطلاق، ولا كان مؤمنا بثورة 23 يوليو بأي شكل، فقبل ثورة 23 يوليو حاول الجهاز السري أن يجس نبض حسن الهضيبي فأرسل من يجس نبضه وكان في الإسكندرية، فحدثه الرسول أن البلد تموج بقلاقل والملك يغير كل أسبوع وزارة فهل يخاف فاروق من أن يقوم الجيش بحركة ما فكان رد فعل الهضيبي أنه انتفض، وكان جالسا فوقف منزعجاً، وقال: "تبقى هوجة زي هوجة عرابي ستؤخر البلد 100 سنة للوراء".

وتعبير هوجة عرابي الذي استعمله الهضيبي لم يكن يستخدمه في الأدبيات المصرية إلا أعوان أسرة محمد علي، والمجموعة التي كانت محسوبة على الإقطاع والقصر، وأعداء ثورة عرابي.

* تحدثت وكأن حركة الإخوان لها قيادتان واحدة في الجيش بقيادة عبد الناصر، والثانية مدنية بقيادة البنا والسندي، وأن هدفهما كان الاستيلاء على السلطة؟

** ليس هذا هو السياق، فالقيادة واحدة، وهي ممثلة في الإمام البنا، لكنه أنشأ جهازا خاصًّا له فرعان: فرع مدني يرأسه السندي وله القيادة، وفرع عسكري كان بقيادة عبد الناصر وعبد المنعم عبد الرءوف.

الدولة الإسلامية في وعي البن

* لماذا تصدر عبد الناصر في واجهة القيادة مع أن المعروف أن عبد المنعم عبد الرءوف كان مسئول التنظيم العسكري؟

** عبد الرءوف كان القائد، لكن عبد الناصر كان الأكثر اعتمادا عند البنا.. كان السندي شديد الثقة في عبد الناصر فهو (بلدياته) فالسندي أسيوطي من "بني فهد" وعبد الناصر كذلك من "بني مر" ولذلك فالسندي كان يوحي للبنا بأن عبد الناصر الأكثر قدرة على أن يجمع الضباط، وعبد الرءوف كان مشهودا له بالاستقامة والطهر، لكن كان قليل الحركة في تجميع الضباط، ومن يزعم أن البنا لم يكن له مخطط لتغيير الحكم فهو جاهل بكل كتابات البنا، وخطابه سنة 38 في المؤتمر الخامس، وهو يقول: إنه لو توفر لي اثنا عشر ألفا منكم لخضت بهم البحار والجبال وأقمت الدولة الإسلامية..

فالبنا كان يحدد عام 1955 منذ أن بدأ الجهاز السري موعدًا للقيام بحركة شعبية عسكرية، لكن عندما حدثت حرب فلسطين عام 48 أذهبت المشروع، لأن البنا اضطر أن يكشف عن مقدراته العسكرية، لأن المتطوعين الذين أرسلوا قبل دخول الجيوش العربية فلسطين كانوا متطوعين متدربين، أبلوا في القتال بلاءً حسنا، وتلقوا تدريبا كبيرا جدا، هذا التدريب لم يتم إلا بجهاز، فانكشف أمر الجهاز.

* لكن الثابت أن مليشيات الإخوان ظلت إلى النهاية حتى صدر أمر ملكي بمنح بعضهم نوط الشرف العسكري من الطبقة الأولى، ورد ذلك في الصفحة الثالثة من جريدة "الأهرام" 4 مارس 49.

** هذا غير صحيح، الإخوان أدخلوا فلسطين في نوفمبر 1947 بعد قرار التقسيم، ودخلوا أفرادا أفرادا إلى أن اكتملوا 250 فردا، حلت جماعة الإخوان، وأمر البنا بعدم الإرسال فور قرار الحل، وقال المعركة هنا في مصر..

كان الجيش المصري قد دخل وتطوقت المجموعة المصرية المتقدمة في (الفالوجا) واعتقلت المجموعة الإخوانية التي مكثت في غزة فور حل الإخوان، ووضعوا قائد الجيش الفريق أحمد محمد علي المواوي في معسكر في غزة إلى أن تغلب الجيش الإسرائيلي على القوات المصرية، وكاد أن يدخل سيناء، فغيروا قيادة المواوي وأرسلوا اللواء فؤاد صادق، فوجد أن الجيش المصري عاجز عن أن يصد التسلل الإسرائيلي فاستأذن القيادة المصرية في أن يفرج عن الإخوان المعتقلين في غزة، بناء على تعهد بينه وبينهم يقضي بأن يشترك الإخوان مع الجيش المصري في إيقاف الهجمة الإسرائيلية ثم يهبوا إلى المعتقل مرة أخرى، وقد حدث هذا فأعيدوا إلى المعتقل إلى أن حدثت الهدنة الأولى وعادوا من المعتقل إلى معتقل "الطور" وأفرج عنهم في إفراجات الإخوان عام 50 بعد انتهاء الحرب بعامين، فليس صحيحا أن الإخوان ظلوا إلى انتهاء الحرب، وأنا أكاد أعرف أسماء الإخوان الذين ذهبوا فلسطين في هذه الفترة، لأنه بمجرد دخول الجيش المصري في 15 مايو 48 كنا نحاول أن نشتري أسلحة للمجاهدين إلا أن الأستاذ البنا أمر بتوقف العملية، وحدث هيجان من المجموعات التي كانت تحت التدريب للسفر، فقال لهم البنا المعركة من هنا وليست من هناك.

* هل ترى أن مشروع البنا كان انقلابيًا؟ هو قال أن مشروعة إصلاحي يبدأ من الفرد والأسرة والمجتمع والدولة.

** لقد قال "نريد أن نصلح السلم من أسفل إلى أعلى" فتبين لنا أن السلم لا يأتي إلا من أعلى إلى أسفل.

* لكن البنا ندم على ما فعله الجهاز الخاص، وقام بمحاسبة السندي أمام الإخوان؟

** هذا الكلام من تخريجات الهضيبي وأنصاره، البنا أصدر بيان له عنوان له دلالة، وقال فيه (بيان للناس) الجهاز السري وصله هذا الجزء وفهمه جيدا (كتبنا بيان للناس ولكم الآيات في سورة آل عمران فالتزموها هذا بيان للناس وموعظة وهدى للمتقين ولا تهنوا ولا تحزنوا) الرجل كان يريد أن يحافظ على القواعد، وفي نفس الوقت لم يكن يريد أن يعطي فرصة لإجهاضها، دعوة الإخوان المسلمين لخصها البنا في 5 شعارات هتافية، لا تسمح بالتضليل حول مسيرته، الذي يقول "الله غايتنا، والرسول زعيمنا، والجهاد في سبيل الله أسمى أمانينا" لا يمكن أن يدخل في هذا المنظومة استسلام .. يستحيل ذلك إنما الآخرين عندما أرادوا إدخال التعديلات خرجوا على هواهم.

الجهاز الخاص لم يبايع الهضيبي

* لكن الشائع أن البنا غضب من السندي وعزله عن قيادات النظام الخاص فكيف يوصي له بتولي مسئولية الإخوان من بعده؟

** هذا ليس صحيحا، بدليل أن الهضيبي أصدر قرار بفصل السندي من الإخوان، وإقالته من الجهاز الخاص، فكيف كان مقالا من البنا واحتاج الهضيبي أن يفصله، هذا غير صحيح، وعندما عين الهضيبي مرشدا وزع السندي منشورا على الجهاز الخاص قال فيه: "الملك فاروق قتل مرشدنا واختار لنا مرشدا من حاشيته فلا تبايعوا وتثبتوا حتى تتبينوا". فلم يبايع الجهاز الخاص الهضيبي وأنضم إلينا في عدم المبايعة: الشيخ الغزالي، وصالح عشماوي، وعبد الرحمن البنا، انضموا في عدم المبايعة، فبادر الهضيبي بفصلهم من الجماعة، وهذه معركة معروفة.

* أخطأت حينما ذكرت أن حادثة السيارة الجيب كانت بعد اغتيال البنا، والصحيح أنها كانت قبل اغتياله؟

** الحادثة قبل اغتيال البنا، لكن القبض على السندي كان بعد اغتيال البنا، ولم يكن على الفور، وكان موجودا وممارسا لمهامه ويوجه تعليماته بعد قتل النقراشي، وبعد استشهاد البنا أعد السندي خطة لقتل إبراهيم عبد الهادي على طريق المعادي، وهي حادثة معروفة، كما أعد محاولة لقتل رئيس مجلس النواب، وهذه معروفة أيضا.

حسن البنا أوصى لعبد الناصر من بعده

* قلت أن البنا أوصى للسندي وعبد الناصر بخلافته فلماذا لم تظهر هذه الوصية؟ أين هي الآن؟

** هذه الوصية أبلغت للواء صالح حرب، رئيس جمعية الشبان المسلمين، والبنا لم يخرج من بيته إلا هذه المرة، للوصول لصالح حرب يبلغه هذه الوصية، وهي لا تحتاج إلى توثيق، فصالح حرب كان على صلة وثيقة بالبنا، وكان إسلاميا، وكان مشهودا له، وقال له البنا: "يا صالح عبد الرحمن السندي هو المسئول عن الجماعة، وإذا لم يتيسر فجمال عبد الناصر حسين".

* لكنك ضد رواية أن البنا كان غاضبا من السندي.

** لا والله لم يكن غاضبا .. كان في الإمام البنا تُقية كامنة، فهو يوجه الجهاز السري، "هذا بيان للناس ولكم الآيات في سورة آل عمران فالتزموها"، وأرجع إلى آيات سورة آل عمران ستفهم ما أقول.

الهضيبي ملكي

* اتهمت الهضيبي أنه كان ملكيا، والمعروف أنه رفض الانحناء لفاروق، ووضع صورته في دورة المياه؟

** يا سيدي، في عام 51 كانت سمعة فاروق لدي الشعب المصري أصبحت في الأرض، وكانت فضائح أمه وأخواته و (بلاويه) أصبحت معروفة للعامة، ولم يستطع زعيم مصري أن يصف فاروق بأنه ملك كريم إلا الهضيبي، بعد مقابلة الملك قال "مقابلة كريمة من ملك كريم"، هذه عندنا في الجهاز الخاص توصيف خطير فاعتبرناها سقطة كبيرة.

* كان لديه وجه وتبرير، وما كان المنتظر من الهضيبي عند مقابلة الملك؟ ثم لماذا تغضب عليه عندما غضب من الإفراج عن قتلة النقراشي، هو رجل قانون ولا يرضى أن يفلت الجاني مع عقابه؟

** أنا لست هنا في مقام تبريرات تصرفات الهضيبي، الواقع أن السندي لم يكن يقر ما تقوله أنت الآن، لأن السندي الذي دبر لقتل النقراشي لا يمكن أن يقبل هذا التبرير، لأن السندي يرى أن الذين حاربوا الإخوان إنما أصابوا الإسلام في أمر فظيع جداً.

الباقوري ناقم

* لماذا كنت تستدل على الولاء للملك بمجرد قرابة هنا أو هناك لأحد الأشخاص المقربين من الملك؟ ألا ترى أن هذا ليس دليلا على الولاء في حد ذاته ؟

** الذي حدث أن الباقوري عندما علم ـ بعد حل الإخوان ـ بوجود الجهاز الخاص غضب وثار، كما غضب أعضاء مكتب الإرشاد، الذين لم يكن يعلمون بوجود الجهاز، وأصابتهم حالة ثورة ضد حسن البنا، ولهذا قال الشيخ عبد المعز عبد الستار - وكان عضو مكتب الإرشاد – "لم نكن نعرف من يقود الإخوان حتى ظننا أنها يقودها الشيطان" .. والأستاذ البنا كان يتحاشى أن يكون للأزهريين دور في صلب الجماعة، كان يراهم مجرد مظهر خارجي، ولذلك قد تعجب أن الأزهريين وهم كثر في الجماعة لم يتولوا مناصب في عصب الإخوان، لأن البنا كانت له حلقة مع الأزهر، وعندما اكتشف الشيخ الباقوري هذا كان ثائرا جدا على البنا.

* لكن أدبيات الجماعة تقبل أن يكون هناك قياديا لا يعرف شيئًا عن أمر ما ولا يسأل فيما لا يعنيه، وهذا مقبول عند الإخوان فلماذا يغضب الباقوري؟

** يغضب لأنه كان وكيلا للجماعة هو وصالح عشماوي، وكلاهما كانا لا يعرفا شيئا عن الجهاز السري، فلما حدث الحل والاعتقال والمصائب التي حدثت، أصبحوا في حالة نقمة.

* هل لازمت النقمة هذه الباقوري حتى بعد اغتيال البنا؟

** النقمة ظلت إلى أن قامت الثورة، والباقوري نفسه كان يتطلع إلى منصب المرشد بعد البنا، والغزالي هو الذي قاد عملية وقفه وقال له: "نحن لا نأكل من عيش السراي".

* لكن الإخوان هم الذين اختاروا الهضيبي فكيف جاء برغبة الملك؟

** لم يجتمع أحد من الإخوان ليأتي بالهضيبي، بل انتخب بالتمرير من الهيئة التأسيسية، لأن الإخوان كانت منحلة، وفاروق كان يريد أن يحصل على مرشد له ولاء قبل أن يعيدهم لمواجهة الوفد. وكانوا في هذا الوقت يقولون عنها "المحظورة" مثل هذه الأيام، والتمرير كان كله خديعة وتآمر.

قطب والوزارة

* اتهمت سيد قطب بأن خلافه مع الثورة كان خلافا شخصيا، وانه انقلب على عبد الناصر لأنه لم يعطه وزارة المعارف، أليس كل هذا اتهاما في النوايا لا يرقى لمستوى الدليل؟

** خلاف قطب خلافا شخصيا محضا، وأريد أن أقول لك شيئا، لقد قابلت محمد قطب، أخو سيد قطب، في الرياض، وعاتبته، وسألته لما كان الالتحام بعبد الناصر ثم الانفصال عنه، هل كان بعد تأليف الوزارة، وربما بما كتبه لعبد الفتاح الترامسي زميله، فقال: فعلا الأستاذ سيد كان ناقما بعد هذا، لكن ليس هذا السبب الوحيد.

* لماذا برأت عبد الناصر من المستشار عبد القادر عودة ومجموعته؟

** الباقوري كان له مذكرات، قال فيها ذلك، فذكر في مذكراته أنه: في الاجتماع المشترك للوزارة ومجلس قيادة الثورة أراد عبد الناصر أن يخفف الحكم عن جميع المحكوم عليهم ماعدا محمود عبد اللطيف، وهنداوي دوير، لكن جمال سالم الذي كان رئيس المحكمة العسكرية، وكان مختلفا مع عبد الناصر في مجلس قيادة الثورة خاف أن يعتبره الإخوان العدو، وهدد عبد الناصر قائلا: "أنت عايزني أحكم بالإعدام وأنت تخفف لينتقم مني الإخوان"، هذا كلام الباقوري في مذكراته التي نشرت في مجلة "المسلمون".

* إذا كان عبد الناصر إخوانيا لم يختلف إلا مع القيادة فقط ، فلماذا اعتقل كل الإخوان ولم يبق على أحد، وعذب الجميع في سجونه؟

** البنا وعبد الناصر والهضيبي والسندي وغيرهم بين يدي الله الآن، لكني أقولها للتاريخ: عبد الناصر لم يخطئ خطأ عمدي واحد في حق الإخوان، بل كل ما صدر منه كان ردود أفعال، وردود الأفعال عندما نزعت عن جذورها بدت كما أنها عدوان.. فعبد الناصر لم يخطئ أبداً، والدليل هو اقتناع الشيخ السباعي بعد محاكمات 54 ، وهناك أدلة فرعية كثيرة على ذلك، فعبد الناصر ـ بعد النكسة ـ أتي بعبد العزيز كامل، نائب رئيس الوزراء ووزير الأوقاف، وهو أحد أقطاب الإخوان، وقال له: "أنا أريد أن تبدأ تربية للناس في المساجد، ليعرفوا أن الثورة إسلامية وستبقى إسلامية"، والذين قتلوا على يد عبد الناصر من الإخوان لن يكونوا واحد في المائة من الذين قتلوا في السجون الآن من غير محاكمات منذ أن تولى السادات إلى عهدنا هذا.. ولو كان لكل الناس أن ينتقدوا دخول عبد الناصر فالإخوان وحدهم هم اللذين يجب أن يتذكروا أنه دخل بناء على توجيه حسن البنا، ففي يناير 48 قامت ثورة ابن الوزير في اليمن وقتلوا الأمام يحي وهذه الثورة كان المؤثر الأساس فيها الشيخ الفضيل الورتلاني أحد أقطاب الإخوان في اليمن ونسبت إلى حسن البنا بكاملها، فلم يتبرأ حسن البنا منها، وعندما دخل عبد الناصر دخل برؤية أن هذا ما كان يجب أن يتغير.
Read More

الجمعة، 24 ديسمبر 2010

السلفيون المداخلة في مصر ( دراسة )

صلاح الدين حسن
بداية النشأة :
كان الظهور العلني لهذا التيار في المملكة العربية السعودية إبان حرب الخليج الثانية 1991 والتي كانت نتيجة لغزو العراق تحت حكم صدام حسين للكويت وبدأ هذا التيار في الظهور كتيار مضاد للتيارات المعارضة لدخول القوات الاجنبية كالاخوان والسرورية كما أنها ذهبت أبعد مما ذهبت اليه مؤسسات الدولة الرسمية مثل هيئة كبار العلماء والتي أفتت بجواز دخول القوات الاجنبية على أساس أن فيها مصلحة الا أنهم لم يجرموا من حرم دخولها أو أنكر ذلك فجاء الجامية واعتزلوا كلا الطرفين وأنشأوا فكرا خليطا يقوم على القوم بمشروعية دخول القوات الاجنبية وفي المقابل يقف موقف معادي لمن يحرم دخولها أو ينكر على الدولة ذلك وذلك على أساس مرجعية سلفية تتمترس في أدلة من القرآن والسنة .
سبب التسمية :
ويعرف هذا التيار في المملكة العربية السعودية "بالجامية "نسبة لمحمد أمان الجامي الاثيوبي الاصل وهو المؤسس الحقيقي لهذا التيار أو يلقبون بـ "المدخلية " نسبة الى ربيع بن هادي المدخلي وهو أحد رموز هذا التيار في المملكة العربية السعودية كما يسمى بتسميات أخرى إلا أن هذه التسمية جميعها غير معترف بها من التيار الجامي أو المدخلي الذي ينسب نفسه الى السلفية الخالصة والذي يقوم أساس منهجه على رفض الطائفية والفرقه والتحزب فكان من الأولى رفضه اطلاق مسمى على نفسه لاسيما اذا كان يرجع الى شخص مهما كانت مكانته (1).. وتحولت هذه المسميات من ألقاب تعطي توصيفات لتيار بعينه تمييزا له عن باقي التيارات إلى لقب يعده الآخرون تهمة أوسبة تجرح من يتصف به إلا أن رموز هذا التيار وعت ذلك وقامت بالرد عليه وقبلت ضمنا بهذا المسمى وحاولت أن تبيض وجهه بدلا من تجاهل التعامل معه ونكرانه.
وأبرز رموزها في مصر
وأبرز رموزها هم :محمود لطفي عامر – أسامة القوصي – محمد سعيد رسلان – طلعت زهران – أبو بكر ماهر بن عطية – جمال عبدالرحمن – على حشيش – عبدالعظيم بدوي
التعريف والتمايز
لم يختلف المداخلة عن غيرهم من التيارات السلفية غير الجهادية الأخرى في اعتقادهم بعدم الخروج على الحاكم المسلم وإن كان فاسقا ولا يختلفون عن غيرهم أيضا من أنهم اعتبروا أن الخروج على الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه كان سبب الفتنة التي وقعت بين صحابة رسول الله وأن الخروج على ولاة الأمور هي السبب الفرقة والضعف والخوار الذي أصاب الدولة الاسلامية ..
الا أن المداخلة خلافا لكثير من التيارات السلفية تعتبر أنه لايجوز معارضة الحكم مطلقاولا حتى إبداء النصيحة له في العلن وتعتبر ذلك أصلا من أصول عقيدة أهل السنة والجماعة ومخالفة هذا الأصل يعتبر خروجا على الحاكم المسلم(2) والخروج مصطلح يطلق على إحدى الفرق الضالة التي تخرج عن نطاق أهل السنة والجماعة وهو مصطلح تاريخي أيضا يطلق على الطائفة أو الفرقة التي خرجت على الأمام علي رضي الله عنه وكفرته متهمتة إياه بأنه لم يحكم شرع الله كما كفرت تلك الفرقة كل من لم يؤمن بما تعتقد به وشنت حروبا بينها وبين نظم الحكم على مر التاريخ الاسلامي .
كما أن المدخلية تعتبر أن الاعتراف بالحاكم والولاء له وحده لايكفي اذا لم يتم الاعتراف بمؤسسات الدولة الأخرى منصب المفتي مثلا أو بمؤسسة الأزهر كما أنه ليس لأحد أن يخرج عن فتوى علماء البلاد الرسميين فإذا حلل هؤلاء العلماء فوائد البنوك فإنه على الرعية المسلمة في هذه البلد الاذعان لتلك الفتوى وعدم مخالفتها ومن يخالف ذلك فإنه على طريق " الخوارج " (3)
كما تتمايز المدخلية عن غيرها من التيارات السلفية في أنها تعتبر أن الجماعة المسلمة هي الدولة والسلطان ومن ثم فهي تشن هجوما حادا على أية عمل جماعي وتناهض الجماعات الاسلامية والحزبية لأنها ضد مفهوم الجماعة في رأيهم ومن ثم فهم "خوارج "على النظام ومبتدعة في الدين وهجومهم عليهم تهدف الى انهاء الفرقة في الأمة والتفافها حول سلطانها . (4)
المدخلية كما تعرف نفسها
يعرف هذا التيار نفسه بأنه :
1- من يدعو إلى السمع والطاعة لولاة الأمور في المعروف، ويدعو لهم بالصلاح والعافية والتوفيق وحسن البطانة سواء في مجالسه الخاصة أو في خطب جمعة أو في محاضرة أو في مقالة.
2- من يحذر من الخروج على ولاة الأمور، وينهى عن شق عصا الطاعة.
3- من يحذر من الفكر التكفيري ورموزه.
4- من ينشر فتاوى العلماء ومؤلفاتهم التي تحذر من الجماعات الحزبية كجماعة الإخوان المسلمين، وجماعة التبليغ وأمثالهم.
5- من ينشر فتاوى العلماء التي تحذر من الطرق المخترعة المبتدعة في الدعوة إلى الله كالأناشيد المسماة بالإسلامية، والتمثيل، والقصص وأمثالها.
6- من ينشر فتاوى العلماء ومؤلفاتهم في الردود التي تكشف عن أخطاء الجماعات أو أخطاء الدعاة التي تمس العقيدة أو تمس منهج الدعوة إلى الله تعالى.
7- من يحذر الشباب من الانخراط في الفتن التي لبست بلباس الجهاد وهي لم تستوف شروط الجهاد الشرعي.
8- من يحذر من استغلال الأنشطة الخيرية المشروعة لتحزيب الشباب وضمهم إلى التيارات التكفيرية التدميرية.
9- من لم يرتض أن ينضم تحت لواء أي فرقة من الفرق وإنما اكتفى باسم الإسلام والسنة والانتماء إلى السلف الصالح لا يتعصب لفرقة، ولا يتعصب لرأي، ولا يسير على منهاج دعوي مخترع.
10- من يحرص على التوحيد دعوة وبياناً، ويحرص على بيان الشرك تنبيهاً وتحذيراً، ويعتني بنشر العلم الشرعي وبيان البدع حسب استطاعه.
11- من يوقر العلماء العاملين الذين بذلوا أنفسهم لنشر العلم الشرعي، وبذلوا أنفسهم لرد البدع والتحذير من أهلها، يحبهم في الله ولا يطعن فيهم ولا يسميهم علماء حيض ونفاس ولا علماء سلاطين ولا يلمزهم بشيء من صفات النقص، مع اعتقاده أنهم بشر يخطئون ويصيبون، لكن يكفيهم فضلاً ونبلاً أنهم في غاية الحرص على موافقة الكتاب والسنة ومنهاج السلف الصالح.(5)
المدخلية كما يعرفها خصومها
أما خصوم المدخلية فيعرفونها بأنهم :
1-من يعتبرون أن الحكم بما أنزل الله أمرا فرعيا وليس أصلا من أصول العقيدة ..وبذلك فان من يحكم بغير ما أنزل الله ويشرع القوانين الوضعية المخالفة للنصوص الالهية لا يكون قد اتركب ناقضا من نواقض الاسلام بأي حال من الأحول
2-يعتبرون الحكام المتسلطين على أمة الاسلام اليوم أولياء أمر شرعيين تجب طاعتهم بل ان أحدهم قد قال عن حسني مبارك صراحة "أميرالمؤمنين" وهو يكثر من الاستدلال بأقوال مبارك وكلامه وارائه ويثني على فهمه للسياسة وأمورها
3-يرون أن أي اعتراض بأي وسيلة على أفعال الحكام هو من فعل الخوارج المارقين
4-يرون أن كل من وقع في بدعة "أومايظنونه بدعة" سواء كان قاصدا أو متئولا أو مخطئا أو ناسيا فهو مبتدع لا يقبلون منه صرفا ولاعدلا ولا يأخذون عنه كلمة حق قالها ويرون واجبهم تحذير الناس منه ونبذه بالكلية
5-كما يرون أن من ارتكب فعلا من أفعال الكفر هو كافر دون اقامة حجة أو انتفاء موانع التكفير وتحقق شروطه
6-يسبون علماء الأمة ودعاتها من كل التيارات والتوجهات المخالفة لهم ويصفونهم باتلمبتدعين والزنادقة والخوارج وغيرها من الألفاظ... وهم متفاوتون في هذه المسألة فمنهم من يجاهر بذكر أسماء من يتهمهم ومنهم من لايجرؤ على ذلك حتى لا ينصرف عنه الطلبة والأتباع...ومنهم من عرف عنه من قبل التصريح باسماء العلماء ثم أصبح يلمح لهم الان
7-يعتبرون العمل الجماعي في الاسلام من الفتن التي تجب محاربتها ...وبذلك فانهم يعتبرون أي جماعة تعمل في الدعوة الى الله هي جماعة مبتدعة بدءا من جماعة الاخوان المسلمين مرورا بجماعة التبليغ والدعوة وصولا الى كافة الجماعات المجاهدة والدعوية في العالم
8- يرون أن تسلط اليهود والنصارى على المسلمين هو أمر قدري لا حيلة لنا فيه وأنه مع تفوق المشركين على المسلمين في كل الجوانب المادية فان جهادهم يعد مهلكة فلا يجوز جهادهم بحال من الأحوال إلا إن أذن " ولي أمرهم " بذلك
9-يعتبرون أنهم وحدهم الممثلون الحقيقيون للمنهج السلفي وأن كل من عداهم مبتدعون
10-يقومون باصطياد الأخطاء ولي عنق الكلام لكل من خالفهم ..كما أنهم يستدلون على أقوالهم باستدلالات باطلة فاسدة ويحاولون اقتناص مايوافق اّراءهم من كلام الأئمة الكبار المشهود لهم من السلف والخلف واجتزاء كلام العلماء لتبرير منهجهم الفاسد ويستدلون لكلامهم بنقول مغلوطة عن شيوخ كبار كابن باز وابن عثيمين والألباني وغيرهم
11- يحملون عقيدة المرجئة باعتبار أن الايمان هو التصديق بالقلب فقط ولا يلزمه عمل وبذلك فإن من ارتكب عملا يناقض الايمان في عقيدة أهل السنة فانه لا يكفر إلا اذا كان يعتقد الكفر بقلبه !!
12- يسيئون للمنهج السلفي بأفعالهم وكلامهم حتى نفر كثير من الناس من المنهج السلفي لما حسبوا أن هذا هو المنهج السلفي
13 -يلغون الأخذ عن كثير من علماء المسلمين سلفا وخلفا بسبب بعض أخطاء هؤلاء العلماء ...كالنووي وابن حزم وابن حجر العسقلاني وغيرهم –
14- يتنابزون حتى بين بعضهم البعض ممن يحملون نفس المنهج فيبين كل منهم بدع وأخطاء بعضهم البعض ..وهذا حصل مع أسامة القوصي وفالح الحربي وغيرهم(6)
المدخلية والاخوان
بما أن الجذور والمنابع المنهجية للمداخلة -سعوديون ومصريون -واحدة فإن الاخوان كانوا على أجندة هجمات المداخلة المصريون بل زادت هذه الهجمات قوة وشراسة في الساحة المصرية على مايبدوا بسبب قوة الاخوان في مصر وانتشارها العددي والفكري في مقابل الزحف السلفي الآخذ في التمددأيضا .بما استدعى تكثيف الهجوم على الاخوان بما يناسب قوة وتوغل الجماعة في المجتمع المصري .
فالسلفية المدخلية ظهرت على السطح كتيار يحارب العمل الجماعي المنظم عموما والمعارض للدولة على وجه الخصوص والذي "ينازع الأمر أهله" بشكل أدق والاخوان تتوافر فيهم كل هذه الصفات وبالتالي ينزل عليهم حكم المداخلة بأنهم " خوارج " و"مبتدعة في الدين " واحدى الفرق الضالة " (7)
فأسامة القوصي أحد رموز المدخلية في مصر في محاضرة له وصف جماعة الإخوان المسلمين بأنها " أخطر جماعة في مصر " وبأنها " فكرة شيطانية " ومن تحت عبائتها خرجت جماعة التكفير والهجرة وحزب التحرير والجماعة الاسلامية ودعا الرجل في أكثر من موضع الى حظرها عمليا إضافة الى حظرها قانونيا لمنع أسباب الارهاب الفكري إلا أن الرجل التمس للنظام العذر في عدم اسئتصالها نهائيا لأن الاخوان مخترقون – حسب تعبيره – لكل مؤسسات الدولة ولذا فليس من السهل أن يقتلع الإخوان من البلد " لأنهم أخطبوط وسرطان " لكنه دعا الجميع للتعاون في استئصالها .
وفي المحاضرة ذاتها أصل القوصي لهجومه على جماعة الاخوان قائلا : أن الدعوة السلفية النقية هي جماعة أفهام لا جماعة أبدان وهي جماعة ربانية أسسها محمد (ص) وليست جماعة بشرية كجماعة الاخوان المسلمين التي وضعها بشر لاعصمة له حتى لو غررت بالشعارات الاسلامية وذكر بمقولة النبي (ص) "دعوها فإنها منتنة " – يعني العصبية القبلية والحزبية – كما استشهد الشيخ بأن المهاجرين والانصار أسمائهم منزلة من عند الله لكنهم كادوا أن يتحزبوا على أساسها لولا أن النبي حذرهم والجماعة المسلمة جماعة واحدة لا جماعات .
ويخلص القوصي في محاضرته الى أن الجماعة المسلمة هي الدولة وهي السلطان ومن ثم فإنه سيحارب أية عمل جماعي خارج على النظام الدولة وسيناهض الجماعات الاسلامية والحزبية لأنها في رأيه ضد مفهوم الجماعة وحربه ضدهم تهدف الى إنهاء التفرق في الأمة وإلتفافها حول سلطانها . (8)
وأخذ الهجوم المدخلي على الاخوان محورين :- المحور الأول :- المنطق العقلي الذي يتتبع أخطاء الاخوان السياسية والعلمية والتاريخية من وجهة نظر هذا التيار وأحيانا كثيرة من وجهة نظر خصوم الجماعة من العلمانيين واليساريين والليبراليين ليصل في النهاية الى نتيجة مؤداها أن وجود جماعة الاخوان جعلت من الواقع أكثر مرارة وزادت الفرقة والانحراف عن النهج السلفي القويم فعلى سبيل المثال كانت هناك مشكة فلسطين والآن زاد عليها مشاكل في أفغانستان والشيشان وكشمير وغيرها كما أن فتق الفرقة اتسع بتعدد الجماعات والاتجاهات والزعامات ولم يستطع الفكر الاخواني أن يعالج انحراف الأمة في العقيدة أو في السياسة أو في السلوك أو حتى في مشاكلها الحضارية التي تئن بها بل ذهب المداخلة الى أكثر من ذلك وهو القول بأن سبب هذا الانحراف هو الفكر الاخواني نفسه .. والمحور الثاني : يعرض الجماعة بأفكارها وتجربتها على عين شرعية سلفية يؤكد رموز هذا التيار على أنها عين الكتاب والسنة بفهم السلف الصحيح والنقي .ليصل الى نتيجة مؤداها أن جماعة الاخوان المسلمين جماعة بدعية لا سلفية شرعية وأنها خارجة على منهج أهل السنة والجماعة .(9)
ألف محمود لطفي عامر – أحد رموز المدخلية المصرية – كتابا تحت عنوان ( تنبيه الغافلين بحقيقة فكر الاخوان المسلمين ) شن فيه هجوما شرسا على جماعة الاخوان المسلمين بالاضافة الى عدد كبير من المقالات والمحاضرات الصوتية والمرئية اتهم فيها جماعة الاخوان المسلمين بأنها جماعة تكفيرية خوارجية تتبنى مفاهيم العمل السري بل ان الرجل تعرض الى رموز الاخوان بالنقد العنيف من خلال تتبعه لسيرهم ومذكراتهم وأقوالهم لاثبات أنهم مبتدعة يخالفون شرع الله وخصص عامر فصلا في كتابه يتهم فيه حسن البنا مؤسس جماعة الاخوان المسلمين بأنه صوفي وحزبي وهو اتهام من وجهة نظر الكاتب يجرح المتهم به ويسقطه .
ويكاد يكون اتهام حسن البنا بأنه صوفي اتهاما يشترك فيه معظم رموز المدخلية المصرية فهذا الاتهام له حساسيته عند منتمي الفكر السلفي بشكل عام فقد هاجم الشيخ محمد سعيد رسلان حسن البنا-مؤسس جماعة الاخوان- واتهمه بأنه صوفي مستشهدا بفقرات من كتاب البنا "مذكرات الدعوة والداعية " أكد فيها البنا بأنه أسس جماعة الاخوان المسلمين خلفا لجمعية الطريقة الحصافية الشاذولية الصوفية التي أنشأها في بلدته في المحمودية إحدى قرى محافظة البحيرة .(10)
وفي المحاضرة ذتها هاجم رسلان عدد من رموز جماعة الاخوان المسلمين مستندا على كتب كتبتها تلك الرموز أو تصريحات صرحت بها الى الصحف لاثبات انحراف مناهج لجماعة.
فاعتبر رسلان أن ماقاله حسن البنا من أن خصومة الأمة مع اليهود ليست دينية لأن القرآن حث على مصاهرتهم ومصادقتهم وأن الاسلام شريعة انسانية قبل أن تكون شريعة قومية انحرافا عن عقيدة أهل السنة والجماعة وفهما مغلوطا وغريبا.
وفي المحاضرة نفسها هاجم رسلان المرشد الثالث لجماعة الاخوان عمر التلمساني لأنه اعترف في كتابه "ذكريات لا مذكرات" بأن في حياته بعض مالا يرضي المتشددين من الاخوان وغيرهم مثل حبه للرقص الافرنجي والموسيقى وحبه للانطلاق في حياته بعيدا عن التزمت الذي لم يقر به دين .
كما هاجم رسلان الشيخ يوسف القرضاوي معتبرا اياه من الاخوان المسلمين وذلك لأنه امتدح الديمقراطية الاسرائيلية في خطبة جمعة له نشرت في مجلة الوطن الكويتية (11)
وانتقد رسلان بحده وغضب ماقاله القرضاوي في برنامج الشريعة والحياة الذي تبثه قناة الجزيرة الفضائية ناعيا بابا الفاتيكان يوحنابولس الثاني ووصفه له "بأنه علم من أعلام المسيحية ..والحبر الأعظم .. وأنه كان مخلصا لدينه وناشط في نشر دعوته والايمان برسالته فنحن ندعوا له للرحمة ويجزيه بقدر ماقدم للانسانية من خير ومن عمل صالح .. نسأل الله ان يعوض الامة المسيحية فيه خيرا "(12)
وهاجم محمد سعيد رسلان شعار الاخوان المسلمين الشهير " الاسلام هوالحل " وقال:- كل شعار يرفع لابد أن يكون صحيحا في ذاته وأن يكون مرفوعا على حقيقه صحيحة وأن يكون مناسبا للزمان الصحيح والمكان الصحيح وتسائل رسلان مستنكراً :-هو الحل لكن ماهو الذي هو الحل؟ . يقولون نحن البديل أي بديل ؟البديل في كتاب الله وسنته هى التقوى والتقوى تحتاج الى علم نافع وعمل صالح والعلم النافع ينبغي أن يكون مقيدا بما جاء به رسول الله (ص) كتابا وسنة والعمل الصالح ينبغي أن يكون على قدر ما جاء به الرسول كتابا وسنة .(13)
المدخلية والاضرابات

في مطلع العام 2007 نشطت الاضرابات في مصر وانتفضت فئات اجتماعية في مصر تطالب بتحسين أوضاعها وبالتوزاي مع هذا النشاط نشط شيوخ ودعاة المدخلية في مصر في الدعوة والتحذير من تلك النشاطات ورأت أنها خطر يهدد الأمة وسيأخذ بها الى منزلق خطير ان لم يتم إيقافه.
في خطبة له أكد محمد سعيد رسلان أن الاعتصامات والمظاهرات والعصيان المدني وتحريك الجماهير من أجل إحداث ثورة هو من عقائد الخوارج .(14)
وشن الشيخ هجوما حادا على الصيادلة المصريين بسبب عقدهم اضرابا جاء اعتراضا على تشريع قانون جديد رأوا فيه اجحافا بحقوقهم وطال الهجوم أشخاص الصيادلة الذين رأى الشيخ أنهم كانوا من أبناء الطبقة الكادحة التي أصبحت الآن تنعم بالمال والرفاهية بسبب تجارة الدواء التي تدر ربحا هائلا بعد تجارة السلاح ويتسائل الشيخ " ماذا يريدون بعد ذلك ؟ وزاد الشيخ في هجومة متهما الصيادلة بأنهم يتاجرون في الأدوية المحروقة وفي الأدوية المخدرة ويستخدمون أجهزة قياس الضغط والسكر في صيدلياتهم بما يخالف القانون وأنهم أي الصيادلة يغيرون تاريخ الأدوية بعد انتهاء الصلاحية بل ذهب الشيخ لأبعد من ذلك وهو أن الصيادلة الذين يمنعون دواء الانسولين لمرضى السكر الذين يموتون بسبب ذلك فإنه قتل شبه عمد واعتبر أن ذلك خيانة للأمة وللدين . ثم يدافع الشيخ عن القانون محل اعتراض الصيادلة.(15)
وأصل أصلان لحرمة الاضرابات والاعتصامات شرعيا وساق في سبيل دعم حجته بعض الفتاوى التي صدرت عن بعض كبار الفقهاء في المملكة العربية السعودية منها فتوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين الذي سؤال عن حكم الاضراب عن العمل في بلد مسلم فقال : ان قضية الاضراب عن العمل سواء كان عملا خاصا أوكان بالمجال الحكومي لا نعلم له أصلا في الشريعة الاسلامية يبنى عليه ولاشك أنه يترتب عليه اضرار كثيرة بحسب حجم هذا الاضراب شمولا (16)
وعن السؤال نفسه سأل الشيخ صالح الفوزان فأجاب :- ديننا ليس دين فوضى ديننا دين انضباط ونظام المظاهرات ليست من أعمال المسلمين دين الاسلام دين هدوء ورحمة لافوضى فيه ولاتشويش ولا إثارة ولا فتنة والحقوق تأخذ بالمطالبة الشرعية .
كما أصل رسلان شرعيا على حرمة الاضرابات واعتبرها تخالف أصلا من أصول أهل السنة في معاملة الحكام وأصل عقليا أيضا على حرمة هذه الاضرابات ورأى أنها ستضيع مكاسب الاسلام في هذا البلد فمن يحرك هذه الاعتصامات هم فلول اليساريين والعلمانيين ومن جمهرة المثقفين الكهول التي لا تحرص على اقامة دين الله في الارض بل تتطلع الى مناصب دنيوية ومطامع مادية فهم إن نجحوا في إحداث ثورة وفوضى فلن يمكنوا لدين الله في الأرض وسيضعوا يدهم على مقدرات ومقادير المسلمين وينزوي الاسلام في المساجد لاعلاقة له بالحياة وإن خابوا فستضيق الحكام على دعاة الله بعدما أتيح لهم نشر دعوة الله في الأرض فما فعله الاخوان مع عبدالناصر أضر المسلمين كلهم ومافعلته الجماعات الخارجة على السادات ومبارك من بعده ضيقت على دعاة الله وأثرت على الأمة أبلغ الأثر .
ثم يوجه رسلان خطابه الى الامة المصرية وحثها الى عدم الاقتداء بما حدث في الدول السوفيتية القديمة لأن ذلك لن يفيد الاسلاميين ولن يكون على هواهم فيقول : "لا يخدعنك بما يحدث في بعض الدول الشيوعية أو بعض الدول الكافرة بما يقال له بالثورة البرتقالية فهذا التكتيك لن يكون على أجندةالمسلمين..ياللمسلمين اتقول الله في الامة لوحدثت لن تكون على هواكم لن تضر الا المسلمين فاتقوا الله في الدماء والاعراض"
ويشبه رسلان الدعوات للاضرابات والاعتصامات بدعوة ماركس للثورة وينكر على هذه الدعوات وصف الاصلاحية ويسأل :هل يدعون الى الاصلاح بتحريك الشعب من معدته؟ هل هذا مؤسس على الوحي المعصوم أم على الظن الموهوم وعلى الافكار القادمة منكم ورؤسائكم ؟. هذه دعوة ماركس ليست بدعوة محمد (ص) كان الناس يعانون وكثير منهم لا يملكون والنبي لم يقل لهم بعثت من أجل الاصلاح بالمظاهرات ولم يقل بعثت من أجل خاطر الفقير المكسور وانما دعاهم الى عبادة الله وحده الى اخلاص العبادة لوجه الله جل وعلا ولم يقل (ص) أن يترك المنصب وأن يعلو على عرش يتخذ من أجل أن يحمله يقال له مالي أن اتبعتك فيقول له الجنة لم يجعلها ثورة للاغنياء على الفقراء ولا للمطالبين بالمساواة في مجتمع طبقي كانت الطبقية صارخة في ظهورها وحدتها .
ويطلق رسلان على الدعوة الى الاضراب العام مسمى "الدعوة الى الاضرار العام" ؟ ويؤكد على أن من يحرك الدعوة الى "الاضرار العام" بهذا البلد المسلم هم أصحاب المطامع والتطلع الى السلطة وتحركه تلك الطوائف التي لا تعنيها هموم الجماهير الكادحة في شىء هذه الطوائف التي لا تعنيها الا أي مصير تسير مصر ؟ بل ان أكثر هؤلاء الدعاة الى "الاضرار العام" هم من حارب الدين ويحاربه ويعتدي على الدين وثوابته .(17)
المدخلية والتوريث
كان من الممكن معرفة رأي المداخلة في قضية توريث الحكم حتى ولولم يعلنوا آراءهم بشكل صريح فالمدخلية يسلمون بقرار ولاة الأمر على اعتبار أنهم أمراء للمؤمنين وماعلي الرعية الا السمع والطاعة طالما اعتبروا أن هذا الحاكم مسلما وان كان فاسقا ومن ثم فمناط السمع والطاعة ليس الدستور بل هو الحاكم الذي لهو الغلبة فإن أراد هذا الحاكم أن يورث الحكم لنجله فإن من الواجب السمع والطاعة له طالما رأى أن في ذلك مصلحة..الا أن احدا من المداخلة لم يصرح بذلك الا منذ عام تقريبا فعندما تعالت أصوات المعارضة لتوريث الحكم ولم تقتصر على الطوائف المعارضة فقط بل امتدت لتشمل معظم شرائح الشعب المصري شعر المداخلة بالقلق لأن ارتفاع نبرة المعارضة لمشروع التوريث من الممكن أن يؤدي الى القلاقل والاضرابات في البلاد-حسب رأيهم- وهو الامر الذي يضع المداخلة على كاهلهم محاربته ومحاولة عدم وقوعه فبالاضافة الى مناداتهم ودعوتهم الانصياع لاوامر الحاكم وقراراته حاول أحد رموز المداخلة أن يحسم أمر توريث الحكم من الناحية الشرعية والافتاء بأنه جائز شرعا وهي الفتوى التي هوجمت بضراوة من كثير من الصحف المعارضة والكتاب المعارضون للتوريث بل وهوجمت من كثير من رموز السلفية وكانت محلا للسخرية من رواد المنتديات والمواقع السلفية على الانترنت.
فوجئت بعض الصحف وبعض المواقع الالكترونية بفتوى لمحمود لطفي عامر يصف فيها مبارك بأنه أمير المؤمنين وبالتالي فله أن يورث الحكم الى نجله جمال مبارك وأن هذا ليس ابتداعا أو اجتهادا جديدا، وإنما ما استقر عليه السلف الصالح، وهم خير القرون الثلاثة الأولى المفضلة من تاريخ الإسلام ( 18)
وأضاف: ما قلته ليس بدعا فقد توفي الرسول ولم يستخلف أحدا بعينه تصريحا، وإنما قدم أبا بكر الصديق لإمامة الصلاة أثناء مرضه تفضيلا، فأخذ المسلمون أولويتهم بالخلافة فبايعه المسلمون الأوائل، ثم استخلف أبو بكر عمر رضي الله عنهما، واجتمع المسلمون على ذلك، ثم جعلها عمر في ستة، فاختير من الستة عثمان رضي الله عنه ثم استشهد ولم يستخلف، واختار المسلمون عليا بن أبي طالب ولم يستخلف هو أيضا، ثم اختار المسلمون الحسن بن علي حتى انتهى المقام بتنازل الحسن، وسمي هذا العام عام الجماعة".
وأكد أن اختيار الخليفة أو الحاكم ليس فيه نص شرعي صريح، ولو كان الأمر كذلك لحسم الأمر في خلافة أبي بكر وما بعدها، فدل ذلك على أن الأمر خاضع للاجتهاد من أهل الاجتهاد.(19)
وذكر عامر : ان التوريث بدأ في عهد معاوية رضي الله عنه ولم يعترض غالبية الصحابة وعلى رأسهم ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما، وعد هذا الأمر اجتهادا من الخليفة معاوية، ولعدم شق عصا الجماعة وافق المسلمون على ذلك، واستمر الحال قرونا باستخلاف ولي للعهد ولم ينكر هذا الصنيع أي إمام من أئمة أهل السنة والجماعة، كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل.
وشن عامر هجوما عنيفا على من يثيرون الناس على مسألة توريث جمال مبارك الحكم، وقال: مبلغ علمي لا يوجد نص دستوري يمنع جمال مبارك بعينه من تولي الحكم باعتباره مواطنا مصريا توافرت فيه الشروط الدستورية المعروفة.وقال ان ورث مبارك ابنه فقد ورث من هو خير منه قبل ذلك، ولم يعترض عليه الصحابة وهو معاوية كاتب الوحي، فماذا تقولون ولماذا لا تعترضون؟.
وأكد الشيخ لطفي عامر أن الفتوى التي قالها بجواز التوريث شرعا جاءت لدرء فتنة الصراع على السلطة، فإن تولاها جمال مبارك فإننا معاشر السلفيين سنسمع ونطيع في المعروف لجمال مبارك.
وأصر عامر على فتواه "متحديا أي عالم شرعي يخطئ ما ذكرت، أنا لا أناقش صلاحية جمال مبارك للحكم من عدمها، فهذه ليست قضيتي، ولكنى أبحث في الموقف الشرعي من نظام الحكم، وإننا نتعامل مع واقع كما فعل الصحابة أنفسهم لدرء فتنة الصراع الذي تسفك فيه الدماء.
وطالب الشيخ عامر لطفي المعارضين أن يأتوا بنص شرعي خلاف ذلك، وقال ما يقال عن الدستور فلا شأن لي به يسأل عنها غيري. وشدد عامر على أن كلامه ينصب على موقف السلفيين من قضية التوريث .
وفي مقال له يرد على الهجوم عليه من بعض الصحف المعارضة والخاصة قال عامر أنه يتحدى أي شخص يناظره فيما قاله ودافع عن معاوية بن سفيان أول من ورث الحكم في الاسلام وقال عن ولايته أنها استمرت بلا مشاكل أو فتن فكثرت الفتوحات وزاد الخير والرغد وعُد معاوية رضي الله عنه خير ملوك الأرض ولا يجادل في ذلك إلا جاهل بالتاريخ أو صاحب قلب مريض،(20) ثم استمر عامر في الدفاع عن معاوية وقال أنه اجتهد بشأن استخلاف ابنه يزيد فدخل في البيعة ليزيد عموم وغالبية الصحابة ومنهم الأكابر والفقهاء منهم في هذه الفترة كابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم، فلو كان مبدأ التوريث غير جائز شرعاً لأنكر الأكابر وأظهروا دليل المنع لأنه لا يجوز في حقهم إخفاء نص يمنع التوريث. فقد رأى الصحابة الكبار بحكمتهم وبما لديهم من فقه السنة أن يدخلوا في بيعة يزيد بن معاوية لعدم شق عصا الجماعة ودرءاً لفتنة الاقتتال، وبناء على ما سبق جاءت الفتوى بجواز توريث جمال مبارك لوحدة الجماعة في مصر وعدم شق عصاها وبث الفرقة والصراع من أجل السلطة، كما أن الإجماع يكاد ينعقد عند أهل السنة والجماعة قديماً وحديثاً على جواز إمامة المفضول مع وجود الفاضل ودليل ذلك صنيع الصحابة مع يزيد بن معاوية والذي أخذوه من النصوص النبوية ومنها : (( عليكم بالسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد حبشي)).
ثم يتطرق عامر الى الناحية السياسية والدستورية فيقول :-لماذا نثير الناس ونشحنهم بالحقد والغل والكره تجاه السيد جمال مبارك؟ فما الذي يمنع جمال مبارك أن يتولى الحكم من الناحية الدستورية؟ أليس جمال مبارك مواطناً مصرياً من أبوين مسلمين مصريين؟ فهل نصوص الدستور التي بينت طريقة اختيار الرئيس بها نص خاص بجمال مبارك؟ أم أن النصوص عامة لمن توافرت فيه هذه الشروط، فإذا كانت النصوص الشرعية لا تمنع والنصوص الدستورية لا تمنع فلماذا هذا النكير وهذا الغلو في الرفض فمن الذي يسعى للفتنة محمود لطفي أم غيره ؟ (21)
المدخلية والمقاطعة

في مقال له بعنوان "المقاطعة بين التهييج والتشريع" فاجأ محمود لطفي عامر الكثيرين بالهجوم على دعاة مقاطعة المنتجات الامريكية واليهودية والدنماركية واتهمهم بالتهييج والغوغائية واثارة العواطف دون الرجوع الى الشريعة لاستنباط الاحكام بأدوات شرعية لاتخضع لميل ولا هوى .ويبدأ عامر مقاله بسؤال عن :-ما هو الموقف الشرعي تجاه بضائع ومنتجات هذه الدول ؟ ثم يجيب عامر على السؤال الذي طرحه ويخرج بنتيجة مؤداها أن مقاطعة منتجات هذه الدول ليس له أصل في الدين حتى ولو كانوا أعداء "محاربين " إلا أن عامر يستثني من ذلك إذا رأى ولاة الأمر أن مصلحة المسلمين لمقاطعة سلعٍ لبلد معينة هنا تكون المقاطعة سليمة وشرعية والتحريم هنا ليس لذات هذه السلع المُقاطَعة وإنما التحريم هنا للمصلحة التي يراها ولاة الأمر (22)
لكن عامر ينوه لما يقال من حين لآخر بحرمة سلع معينة واتهام الناس بما ليس فيهم لمجرد أنهم يستوردون سلعاً من بلاد تعادي الإسلام والمسلمينـ ويؤكد عامر أن الأصل في التحريم النص الشرعي وليس النص العاطفي لكن لا مانع أن يكون هناك وعي شعبي بالإقبال على السلع والمنتجات المحلية لتشجيع وتطوير الاقتصاد الوطني فهذا أمر والتحريم والمقاطعة أمر آخر ـ وليس لأي جهة في المجتمع نقابية كانت أم أهلية بل ليس للأزهر نفسه ولا دار الإفتاء أن يصدر عنهم مقاطعة سلعة أو منتج إلا بعد الرجوع للحكومة فهي المعنية بالصالح العام ، أما السلع المنصوص على تحريمها كالخمر ولحم الخنزير فهذا من المعلوم من الدين بالضرورة وإنما الحديث عن المنتجات التي هي في الأصل حلال إلا أنها تنتج في بلاد تسئ للإسلام وأهله .
ويضيف عامر في مقالته :- لا ينبغي أن يعول المسلمون على أي أوراق تلصق أو توزع بها قوائم سلع معينة لمقاطعتها إلا إذا صدر بذلك مرسوم رسمي من قبل الدولة من الجهات المختصة بذلك كرئيس الدولة ورئيس الوزراء أو وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية أما ما دون ذلك فلا يعتد به شرعاً وعقلاً ، بل إن عامر يعتقد أن توزيع مثل هذه القوائم العشوائية من جهات مجهولة أو جهات غير مختصة من الإفساد للمال العام والخاص لأن هذه السلع الأجنبية الموجودة حالياً بالأسواق هي من حرّ مال المسلمين وقد استلمت هذه الدول المنتجة ثمنها من المستوردين المصريين فمقاطعة هذه السلع معناه ركودها في المخازن حتى تفسد وتلقى مع النفايات فما ضرّ ذلك هذه الدول بالصورة التي يشيعها الفوضويون ، زد على ذلك لو تمت المعاملة بالمثل وبادلتنا هذه الدول مقاطعة بمقاطعة فحجبوا عنا سلعاً ضرورية لحياتنا اليومية خاصة وأنهم يحتكرون كثيراً من المنتجات الحيوية والتي لا غنى عنها بالنسبة لنا فماذا سيكون الموقف ؟

والحل الأفضل من وجهة نظر عامر :- هو أن يحث دعاة المقاطعة المسلمين على الإجادة في العمل والإنتاج وزيادته والتميز فيه ليكونوا قوة اقتصادية مؤثرة حينئذ لو احتاج المسلمون للمقاطعة المؤثرة كان ذلك أرجى وأجدى ، أما أن نقاطع ونحن عالة على العالم فهذا يحتاج إلى إعادة نظر
ويذكر عامر أنه مع الموجة "الفوضوية" السابقة للمقاطعة العشوائية مع أحداث الانتفاضة وضرب أفغانستان والعراق استغل البعض هذه الفوضى فطبعوا ووزعوا أوراقاً لمقاطعة منتجات لشركات منافسة وهي إسلامية خالصة برأس مال مصري سعودي ماليزي وزعموا أنها يهودية وهكذا الجهل يؤدي إلى الفوضى والفوضى يلازمها الدمار .
ويوجه عامر في نهاية مقاله نداءً لكل الغاضبين تجاه بعض الدول التي ساهمت في الإساءة الى النبي (ص) والتي لن تكون الأخيرة ؛ فليتبرع كل غاضب بجنيه واحد ويشتري أهل كل مسجد كتاب صحيح الإمام البخاري الذي جمع أصح ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتُلزِم وزارة الأوقاف الأئمة والخطباء قراءة صحيح البخاري يومياً على المصلين ولو بمعدل خمسة إلى عشرة أحاديث بهذه الطريقة يزداد المسلمون إيماناً وحباً لنبيهم بدلاً من تضييع الأوقات في هتافات فارغة لا تسمن ولا تغني من جوع .(23)

المدخليةوالجهاد
الواقعية السياسية جزء مهم ومفتاحي لقراءة عقلية المداخلة فالجهاد عندهم يرتبط بالغاية من ورائه وهي المصلحة ويخضع لمعايير الخسارة والربح لأن الغرض في النهاية هو النفع ولذلك فالمداخلة شديدي النقد والهجوم على الحركات الجهادية في العالم وحتى المقاومة في فلسطين لأنها لا تحكم هذا المعيار .
فأسامة القوصي يصف من يسمون نفسهم مقاومين ومنهم حركة حماس والجهاد في فلسطين بأنهم حمقى ومغلفين وينزع عنهم صفة المصلحين
وذهب الرجل إلى حث حماس إلى قبول الصلح مع إسرائيل كما فعل السادات واستشهد بصلح الحديبية التي كان فيها إجحاف بالنبي لكن النبي قبلها لأنه لم يكن قد تمكن من مقومات النصر بعد الحال نفسه الآن بيننا وبين اليهود فهم الأقوى ونحن الأضعف .(24)
والقوصي يرى أن الجهاد في زماننا من فروض الكفايات لأن هناك جيش لكل بلد والجيش يسد هذا الواجب العيني لو قلت أن هذا الجيش جيش الطاغوت ستكون دخلت في عقيدة الخوارج حتى في جهاد الدفع والطلب لأن الجيش المصري هو الموكل عنا وعليه الدفع حتى لو دخل العدو إلى البلاد
وتأتي آراء الرجل السياسية منسجمة مع هذا القاعدة فلا يكل من الهجوم على حماس والحلف السوري الإيراني ويرى منهم محور شر يريدون أن يورطوا بلادنا في الفوضى.(25)
المدخلية وحماس

عندما وصلت حماس الى السلطة صارت هناك اشكالية عند المداخلة فقبل وصول حماس الى السلطة كان على حماس أن تسمع وتطيع الى السلطة القائمة في فلسطين ووالي الأمر فيهاياسر عرفات ومن بعده محمود عباس والا فهم خوارج واما وأن وصلت حماس الى السلطة فهل تكون هي الجماعة وولاة الأمر وتطبق القاعدة لصالحها وهي أن يسمع لها ويطاع ولا تعارض من باقي الفصائل الفلسطينية سأل أسامة القوصي عن ذلك فأجاب :
بأن حماس الآن هم ولاة الأمر ويجب أن يسمع لهم ويطاعوا بحكم الانتخاب وبحكم الأمر الواقع لكن في المحاضرة التالية مباشرة وفي مسجده "الهدي المحمدي " استدرك القوصي فتواه وأشار الى أن الحكومة ليس كما يفهم السائل فالحكومة تعني رئاسة الوزراء والوزراء أما رئيس السلطة فهو محمود عباس وهوموجود وليس من حماس فولاية الأمر ليست في يد حماس..ومن ثم فحماس لها ولاية في حدود اختصاصها فقط .
الا أن القوصي لايفوت الفرصة دون أن يقوي مواقفه السالفة ويؤكد على أن حماس في السلطة لن تكون هي حماس في المعارضة ويذكر المثل المصري العامي " الذي يده في النار ليس كالذي يده في الماء" . ثم يتحدث القوصي عن الواقعية السياسية ويتنبأ بأن حماس لن تتمسك بمبادئها المعلنة مثل إزالة اسرائيل من الوجود وهي في السلطة لأن هذا غير واقعي ويتعارض مع توليهم السلطة لأن هناك اتفاقيات وقعتها دولة فلسطين مع اليهود ويؤكد القوصي على أنه يجب على المسلمين التمسك باتفاقات السلام الموقعة مع اليهود لأن "ذمة المسلمين واحدة" ثم يتحدث عن مبدأتوارث الاتفاقات الدولية وأنه من مبادىء الاسلام حتى لو تغير الاشخاص ويتسائل مستنكرا :كيف انقض اتفاق اتفق عليه من قبلي أنا لا أمثل نفسي أنا أمثل بلدا وإن حدث ستكون هناك فوضى والعالم كله لايسمح بهذه الفوضى .. ثم يستشهد القوصي بكلام الرئيس المصري مبارك الذي يصف كلامه بأنه "عاقل" لأنه قال "الممقاومة حق مشروع لكل الشعوب لكن المقاومة لابد أن تخضع لمعايير الربح والخسارة "ثم يعرض القوصي بحماس وحركات المقاومة بقوله "الخطب الرنانة لا تطعم جائعا ولا تؤمن خائفا"(26)
ويهاجم محمد سعيد رسلان حماس بشدة ويصفها بأنها من خوارج العصر لأنهم انقلبوا على السلطة الفلسطينة في غزة وأسالوا الدماء المسلمة ويصف ممارساتهم بأنها مبنية على عاطفة ولاتمت للشرع بصلة ويرد رسلان على حماس في قولهم بعد حدوث الانقلاب في غزة أنهم لابد من أن يطهروا البلاد ويحمون البلاد من أولئك الخونة الأوغاد ويذكرهم بقول النبي (ص) الذي رفض أن يقتل المنافقين وعلل ذلك بقوله " لا تتحدث الناس أن محمد يقتل أصحابه "
ويستنكر رسلان مقولة مؤيدي حماس " إن الله معنا " عندما يهددون بأن الأمم ستتكالب عليكم لتطحنكم طحنا لأن رسلان يؤكد على أن المعية الآلهية ليست من نصيب حماس لأنها ليست من أمة الايمان والاتباع الصحيح .
ويندد محمود لطفي عامر بموقف حماس ويرى أن فوز حماس بالانتخابات ليس دليلاً على صحة منهجهم الشرعي فالمنهج الشرعي يحدد شرعيته الدليل الشرعي بل أن هذا الفوز جاء بناء على رغبة امريكية يهودية ثم يدعوا حماس الى الجلوس للتفاوض مع اليهود .(27)
ويخلص محمود لطفي عامر في مقاله له بعنوان "ليس بالحماس وحده تعيش حماس "بأن الخيار العسكري عند حماس نوع من الجنون والمكابرة والانتحار فالجهاد في الإسلام ليس مقصوداً لذاته بل هو وسيلة لإعلاء كلمة الله أولاً ثم تحقيق الأمن والأمان للمسلمين فإذا لم يتحقق هذا لا يشرع الجهاد حتى تكتمل العُدة الإيمانية والعسكرية والاقتصادية والقول بغير ذلك تقول على الإسلام وفقه الجهاد بلا علم . فلم يبق أمام حماس إلا التفاوض السلمي لقد أوهمت حركة الإخوان المسلمين عموماً وحماس خصوصاً أن الجلوس مع يهود خيانة وعمالة ولا يجوز وأن الجهاد فرض عين وأن أي صلح مع يهود حرام وأي تنازل عن شبر من فلسطين هو قمة الخيانة ،
وينصح عامر حماس بالرجوع الى فقه الجهاد وتاريخ المعاهدات في الإسلام فلو حققوا الأمر لوجدوا أن القاعدة المجمع عليها (( فاتقوا الله ما استطعتم )) الآية ..وما لا يدرك كله لا يترك كله وينصحهم بأن يرجعوا الى فتاوى الأزهر في شأن الصلح مع يهود وكذا فتوى مفتي السعودية السابق ابن باز ، كما ينصحهم أن يمعنوا النظر في فقه معاهدة صلح الحديبية التي عقدها الرسول صلى الله عليه وسلم مع المشركين .. ثم يؤكد على في نهاية مقاله على أن ما صنعه الرئيس السادات من عقد الصلح مع اسرائيل ليس بمحذور شرعي بل هو من عظيم فقهه وسيظل التاريخ يحفظ له صنيعه هذا وإن شكك في ذلك السفهاء .(28)

المدخلية والسلام مع اسرائيل

لايرى المداخلة بأس في الصلح مع اليهود فإسرائيل في حال قوة ونحن في حال ضعف والنبي (ص) لم يأذن له بالجهاد الا بعد أن أقام شرع الله في الأرض وقوية شوكته بل أنه عاهد اليهود في المدينة وعقد مع قريش صلح الحديبية لأنه لم يكن يمتلك مقومات القوة حينئذ فلم يأذن له بالقتال.. فالعقل له منزلة مقدمة عند هذا التيار وهي من معالم المنهج السلفي .
فأسامة القوصي يؤيد بشدة اتفاقية السلام مع اسرائيل ويدين موقف العرب الذي رفض المعاهدة وخاصم الرئيس السادات بل أنه يدينهم لأنهم لم يساندوا موقف مصر خلال حربها مع اسرائيل ثم يمتدح السياسيون المصريون ويصفهم بأنهم عقلاء درسوا حقيقة الأمور ونزلوا الى ارض الواقع وينفي عنهم اتهام أنهم تنازلوا ويقول :ليس تنازلا وإن كان فهذا التنازل جعلنا نسترد سيناء حتى لوقال قائل ليس هناك جيش في سيناء "هناك جيش أم لاليس هناك مشكلة " الآن نحن في وقت صلح وهذا الصلح له بنوده قد نتنازل وقد نوافق على بعض الشروط التي كنا لا نوافق عليها قديما وهذا نفس مافعله النبي مع الكفار في صلح الحديبية تنازل وقبل شروط فيها أجحاف للمسلمين لأن وضع المسلمين من حيث القوة يقتضي ذلك ... وهذه العقود تعجبك أولا تعجبك هذا صلح ويجب الوفاء به يجب النزول الى أرض الواقع " اتقوا الله ما استطعتم ".(29)
بل أن المداخلة ذهبوا لابعد من ذلك وهي جواز التطبيع مع اليهود فمحمود لطفي عامر يكتب مقابل بعنوان "تصدير الغائز لاسرائيل جائز" ثم أخذ يؤسس شرعيا لهذا فيقول:-
أولا :- أنه لا يجوز لأحد أن يحلل شيئا أو يحرم شيئا من تلقاء نفسه والا كان ممن شمله وعيد الآية ( إن الذين يفترون على الله الكذب لايفلحون ) ثم يتسائل أين هو الدليل الشرعي الذي يحرم التصدير للعدو أو للصديق ؟
ثانيًا: وقد تعامل الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع غير المسلمين بيعًا وشراءً رغم عقائدهم المخالفة وعدم إيمانهم به ورغم محاربتهم له - صلى الله عليه وسلم - وللمؤمنين ولقد مات - صلى الله عليه وسلم - ودرعه مرهونة عند يهودي.
ثالثًا: طعام اليهود والنصارى وذبائحهم حلال بنص القرآن (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ...) [المائدة آية: (5)]، ولا يتصور إباحة هذا الحلال بدون بيع أو شراء، وهذه الآية ونحوها نزلت والحروب منصوبة من الكفار على النبي - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين ولم تفرق الآيات بين حالة السلم أو الحرب، فمن أين نادى البعض بتحريم سلع معينة أو أطعمة أو أشربة بذاتها؟
رابعًا: ولا زال تجار المسلمين يدخلون ديار غير المسلمين وكذلك تجار غير المسلمين للبيع والشراء رغم اختلاف الدين والعقائد، حتى في أثناء الحروب كانت تتم التجارة بينهم ولكلٍ أمانُهُ وهذا مدوّن في كتب الفقه فليس الشراء أو البيع مع العدو اليهودي خيانة أو جريمة طالما أن التجارة تسير وفق الشريعة والنظام العام الذي وضعته الدولة لهذه المعاملات، والقول بغير ذلك تقوّل على الإسلام بلا علم وبلا بيّنة والقصد منه البلبلة والتشويش.

خامسًا: التذكير بما دَوَّنَه الإمام بن قدامه أحد أئمتنا في الفقه والمتوفى في القرن السادس الهجري صاحب كتاب ( المغني ) حيث ذكر في جـ 8 ص523 حيث قال إذن أصل المسألة الإباحة والجواز لمن كانت صفته كما ذكر [حربي] أي عدو يحاربني نهارًا ثم يأتيني ليلًا بصفته تاجرًا فيعامل بصفته التي بها دخل ديارنا، وإذا كان هذا حال الحرب فمن باب أولى جازت التجارة معهم حال السلم، وإذا جاز للأعداء المحاربين أن يدخلوا إلى ديارنا للتجارة، جاز لتجارنا أن يدخلوا ديارهم لنفس الغرض ولا زال هذا هو المقرر شرعًا وفقهًا فمن أين أتى نفر من الشيوخ بالتحريم؟!
ثم يخلص عامر في نهاية مقاله إلى :-إن التعامل مع المحاربين بيعًا وشراءً الأصل فيه الجواز فيما أحله الله من مطعومات أو مشروبات أو أي سلعة أخرى منتجة هي في الأصل حلال ووفق ما يصدر من ولاة الأمر من قوانين ولوائح تنظم مثل هذه المعاملات، لأن الضرورة اقتضت ذلك، والأعراف الإنسانية تواترت على احترام وإجازة المعاملات التجارية حتى بين المحاربين فجاء الإسلام وأقر مثل هذه الأعراف ما لم يثبت لولاة الأمر ضرر يلحق بالمسلمين من معاملة معينة أو مجموعة معاملات فَتُمْنَع بإذن ولاة الأمر أي رئيس الدولة وأجهزته المعنية، وليس لأي أحد كائنًا من كان أن يدعو للمقاطعة إلا إذا كان ذلك بتوجه سياسي تتبناه الدولة، والقول بغير ذلك افْتِئَات على السلطة يوجب العقوبة، وأتحدى أي منتسب للعلم أن يقول بغير ذلك عن دليل صحيح معتبر.

وبعد أن يهاجم عامر من وصفهم بأصحاب الدعوات الغوغائية الذين يتلاعبون بعواطف وعقول الناس مع أحداث غزة المأساوية يختم مقاله : ليس لمصر كولاة أمر ولاية على فلسطين المحتلة، وبيننا كمصر وبين العدو اليهودي معاهدة سلام أقرتها حكومة مصر وبالتالي وجب علينا الالتزام بها ما لم يصدر بيان نقض لهذه المعاهدة من قبل ولاة الأمر، أما همجية اليهود فمواجهتها بالتسديد والتقريب وجمع الشمل وليس بالتشتيت والتشويش مع إعداد العدة والقوة الغالبة التي تمكنا من معاونة إخواننا في فلسطين بالطريقة التي يقرها ولاة أمورنا بمصر، وعلى الذين يطالبون قيادة مصر بالمساعدة لأهل فلسطين لحل مشكلتهم أن يدخلوا في طوع النصائح المصرية لحل المشكلة وفق ما هو متاح وليس وفق أوهام وأحلام بعيدة عن أرض الواقع. (30)
المدخلية والسلفيون
هاجمت المدخلية كل رموز السلفية وتياراتها في مصر تقريبا فكل من يخالف منهجهم هاجموه وهم في ذلك يحتسبون الأجر عند الله لأن كشف زيغ المخالفين وانحرافهم عن العقيدة السلفية واجب شرعي يثابون عليه وبالطبع فكل من ليس على منهجهم فهو ليس على المنهج السلفي وفهم السلف لكن يبدوا أن الهجوم على السلفية الحركية كان الاشرس .
فكثيراً ما ينتقد محمد سعيد رسلان السلفيون الحركيون ويصفهم بأنهم أهل ثورة وفتن ومن أهل أحداث القلقة والفوضى ثم يهون من نتيجة دعوتهم ويصفها بالفشل في كل البلاد التي عملوا فيها والتي أوصلوها للخراب والدمار.(31)
أما محمد لطفي عامر فقد نذر نفسه للهجوم على رموز السلفية العلمية وسلفيو الاسكندرية بمجموعة من الخطب وكثير من المقالات منها "وقفات حاسمة مع محمد اسماعيل المقدم ومحمد حسان ومحمد حسين يعقوب" .ومقال بعنوان "محمد حسان يجدد فكر سيد قطب بصبغة سلفية " وغيرها كثير .
انتقدهم فيها عامر بقوة واعتبر أن ما يقولوه وينسبوه للمنهج السلفي ليس منه والمنهج السلفي من أقوالهم وقواعدهم براء ثم وصفهم بأنهم قوم مراوغون مخادعون يريدون طمس الحقائق بزيف العواطف والتعصب والهوى
ويتحدي عامر أن يجيب الثلاث حسان ويعقوب والمقدم على بعض الاسئلة وهو يعلم أنهم لن يجيبوه لأنهم يخفون في صدروهم مالايريدون أن يخرجوه لأنهم لو أخرجوه سينكشف حالهم وتتعرى عقيدتهم القطبية والثورية والمخالفة لمنهج السنة وهذه الأسئلة هي :ما هو موقفك من فكر سيد قطب؟ والجماعات الحزبية الدعوية كالإخوان المسلمين والمدرسة السلفية الإسكندرية .........إلخ ؟ ما هو موقفك من ولاية حاكم مصر ؟ هل توجد جماعة في مصر أم لا ومن إمامها؟ وله السمع والطاعة في المعروف أم لا؟ثم ما هو موقفك مما ذكرته في هذا الكتاب بصفة عامة ؟هل تزكى الجماعات الحزبية كالإخوان والجهاد والمدرسة السلفية بالإسكندرية ...الخ ؟
وذهب عامر الى الحد الذي اتهم فيه حسان بأنه ليس على السلفية ثم يعرض عامر بهؤلاء الثلاثي ويقول :لو أخذت بمنطق أشياع الإخوان والمدرسة المسماة بالسلفية الإسكندرية، ومحمد حسان ومحمد حسين يعقوب لكان الأولى بالإتهام هم وليس أنا ،فمحمد حسان ويعقوب والحوينى يملكون الفضاء ويسبحون فيه كيف شاءوا، أما محمود عامر فلا يملك عشر معشار ما يملكون من وسائل
ثم يتهم عامر حسين يعقوب بأنه ينفث عن قطبيته المستترة بقصد أم بدون قصد فيقول (ص 128 - ص 129) من كتابه " الجدية في الالتزام":نعم إخوتاه ،الكل يتعزي بهذا إننا لم نجد الرجل الكبير الذي تلتف حوله الأمة وهذا الرجل لايجتمع إلا في شخص خليفة المسلمين أمير المؤمنين وهذا الرجل في حال فقده الآن فإنه ينبغي [ إخوتاه ] - وهذا منهجنا وطريقنا – إيجاد أهل الحل والعقد من المسلمين لتنصيب الخليفة ..." ويعتبر عامر أن هذا الكلام من يعقوب مثابة سير في فلك الإخوانيين والقطبيين الذين أصلوا أن غاية الدين هي إقامة الخلافة أو الدولة أو النظام وهذا غير صحيح، كما أن دعوي إقامة الخلافة الراشدة لا تستند إلى دليل حيث إن الرسول صلى الله عليه وسلم بين أن الخلافة الراشدة ستكون ثلاثين عامًا ثم تصير ملكًا عضودًا، ومنذ أن صارت ملكًا عضودًا لا يوجد بين أيدينا تأصيلا ً وتقعيدًا من أئمة أهل السنة والجماعة منذ انقضاء الخلافة الراشدة حتى الآن للمطالبة أو لإيجاد هذه الخلافة فهل غفل عن ذلك أئمة المسلمين حتى جاء حسن البنا وسيد قطب والمودودى إنتهاءً بأسامة بن لادن ومحمد حسان ومحمد حسين يعقوب ؟ وهل نحن في زمن نفتقد فيه للإمام [ الحاكم ] حيث يؤكد محمد حسين يعقوب أننا الآن نفتقد أمير المؤمنين الذي تجتمع عليه الأمة بأسرها، فإذا كان هذا واقعنا فمن يكون إذن حاكم البلاد الحالي وأميرها الرئيس مبارك وكذلك حكام الدول الإسلامية الأخرى ؟ (32)
وفي مقال آخر لعامر بعنوان الشيخ محمد حسان يجدد فكر سيد قطب بصبغة سلفية وينتقد فيه عامر كتاب " حقيقة التوحيد " لمحمد حسان حيث يرى عامر أن محمد حسان أكثر من استشهاده بكلام سيد قطب من خلال أشد كتبه تطرفًا كتاب " معالم في الطريق " وكتاب " في ظلال القرآن " ، والخطورة هنا كما يرى عامر هي أن فكر قطب يقدمه نفر من الدعاة يقدمون للناس هذا الفكر باسم الإسلام والسنّة والسلفية ، ويطالب عامر بأن من أراد تصنيف دعوة محمد حسان لا يصنفها على أنها سلفية بل هي قطبية مكررة سبقه إليها رموز سعودية كسلمان العودة وسفر الحوالي وأسامة بن لادن وعليه يكون التحذير والتصنيف . (33)
المدخلية وسيد قطب
كان الهجوم على سيد قطب من قبل التيار المدخلي عنيفا لسببين الاول :- أن المداخلة يعتقدون أن الهجوم على المخالفين منهجا شرعيا وأصلا من أصول أهل السنة والثاني : أن قطب هو في نظرهم أول من نظر للأفكار الخوارجية ودعا الى الخروج الى الحكام بعد تكفيرهم وتكفير المجتمع واستندت على أفكاره ورئاه جميع الجماعات الخوارجية وشكل لأفكارهم مددا ومعينا .
ولكن هجوم المداخلة على قطب لم يقتصرعلى فكرة الحاكمية والجاهلية فقط لكن تتبعت كتابات الرجل كلها وأفكاره وتاريخه ومواقفه فكان هجومها عليه شاملا لمحاولة اسقاطه على الأقل في عيون محبيه ومن تأثروا بشخصه وبكتاباته وذلك من خلال ضرب الأسس الفكرية التي يؤسس عليها قطب أفكارها واثبات أن عقيدته مشوبه ومنهجه الشرعي به خلل .
ففي محاضرة لأسامة القوصي شن هجوما عنيفا على سيد قطب متهما اياه بأنه شهر بموسى عليه السلام وقال عنه إنه نموذج للزعيم العصبي المندفع ودعا القوصي جمهوره من الحاضرين أن يعادوا في ذلك وأن يوالوا وهو ما يعني تفعيل عقيدة الولاء والبراء في حق سيد قطب الذي شهر بموسى ثم نزع القوصي عن قطب صفة ولقب الشهيد واستدل بأحاديث نبويه تنفي تأكيد الشهادة لأشخاص لأن الشهادة منزلة عالية من تثبت له تثبت له الجنة وهذا مالا يستطيعه أحد .
ويبرر القوصي الهجوم على سيد قطب بقوله أن قطب ترك كتب بها بدع وضلالات "فكان من واجبنا التصدي لها وينبغي علينا أن نقوم في الناس محذرين من هذه الكتب لأنها تستجلب المصائب والفتن" ثم يستشهد القوصي بما حدث في الجزائر وأفغانستان ويرجع اسبابه الى أفكار قطب والتي يرجع اليها ايضا ماحدث في مصر من دماء قد أسيلت وأعراض قد انتهكت وسجون قد ملئت .(34)
ويشترك الرباعي لطفي عامر وسعيد رسلان وطعلت زهران في الهجوم على سيد قطب واتهامه بأنه أساء لعمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان في كتابه كتب وشخصيات واتهام قطب معاوية وعمرو بن العاص وهما صحابيان حاربا علي بن أبي طالب وآل اليهما حكم الخلافة ليس من أصول أهل السنة والجماعة كما ترى السلفية على العموم فسيد قطب قال في كتابة السابق "أن معاوية وزميله عمرو لم يغلبا عليا لأنهما أعرف منه في دخائل النفوس وأخبر منه النظر النافع في الظرف المناسب ولكن لأنهما طليقان في استخدام كل سلاح وهو مقيد اخلاقيا في اختيار وسائل الصراع وحينما يركن معاوية وزميله في الكذب والغش والخديعة والنفاق والرشوة وشراء الذمم لايملك علي أن يتدلى لهذا الدرك الاسفل " ثم ذكر قطب لاحقا "أن الثورة على عثمان والتي قام بها عبدالله بن سبأ لعنه الله أقرب لروح الاسلام من خلافة عثمان بفعل ما مكن للمبايء الأموية المجافية لروح الاسلام "
لقد وصف عامر سيد قطب في مقال له بعنوان الآثار الاجرامية لمفاهيم سيد القطب تلك المفاهيم بأن لها آثارا إجرامية مفسدة تُُشاهد عيانًا وتُقرأ في كتب ورسائل تحمل اسم الإسلام والإسلام منها براء ،
ودائما ما يسوق المداخلة في سبيل اسقاط المهاجم بحجج وشواهد على ألسن غيرهم ممن لهم مكانتهم العلمية والشرعية في قلوب المخاطبين فيذكر لطفي عامر في مقاله فتوى منسوبة للشيخ عبد اللطيف السبكي رئيس لجنة الفتوى بالأزهر السابق حيث قال عن كتاب قطب " معالم في الطريق " ً : إن سيد قطب استباح باسم الدين أن يستفز البسطاء إلى ما يأباه الدين من مطاردة الحكام مهما يكن في ذلك عنده من إراقة الدماء والفتك بالأبرياء وتخريب العمران وترويع المجتمع وتصدع الأمن وإلهاب الفتن في صور من الإفساد لا يعلم مداها غير الله . ثم يتعجب عامر من أن المؤسسات الشرعية الرسمية وغير الرسمية يرون الآثار المدمرة لفكر الإخوان عمومًا وسيد قطب خصوصًا ومع ذلك لا يحركون ساكنًا تجاه هذه الظاهرة ، فما المانع لديهم للتصدي لهذا الطوفان الفكري ؟ فإما إنهم مشايعون لهذا الفكر ، أو إنهم خائفون من أتباع هذا الفكر ، وإما احتمال ثالث ألا وهو عدم درايتهم بهذه المفاهيم أصلا ً !! ( 35)
ثم يذكر عامر في مقاله حقيقة سيد قطب: أن سيد قطب ليس بعالم ، وإنما هو أديب كبير ، صناعته الكلام والأدب ، وحينما تعرض للإسلام في كتاباته لم يلتزم المنهج العلمي الشرعي الذي كان عليه السلف في الصدر الأول ، ويعطي عامر أمثلة على ذلك نختصر بعضها في الآتي :
1ـ سيد قطب فسر كلمة التوحيد تفسيراً باطلاً لا تقره اللغة العربية ، ولم يقل به أحد من الصدر الأول ففسرها : "لا حاكمية إلا لله " ، والمعنى الصحيح المتفق عليه بين أهل السنة هو : " لا معبود بحق إلا الله " ؛ فإذا كان تفسير الأساس باطلاً فكيف البنيان الذي أقامه على هذا الأساس الذي زعمه ؟!
2ـ سيد قطب يجنح في فكره للتكفير ، فينعت كل المجتمعات المسلمة بأنها مجتمعات جاهلية كالجاهلية الأولى أو أظلم
3-إن أتباع سيد قطب وحسن البنا نتيجة تربية حزبية فاشلة باطلة يتعاملون من حيث لا يدرون مع هاتين الشخصيتين كأنهما معصومان .
4-وليعلم الشباب المتيم بسيد قطب وكأنه مبعوث العناية الإلهية أن نشأة سيد قطب لم تكن نشأة علمية شرعية أصلية ، بل عاش سيد قطب فترات ضياع كادت تلقي به إلى مزبلة الإلحاد ، كما عاش فترات ضياع فكري وأدبي وصراع نفسي
6- اشتراكية سيد قطب وتربيته على القيام بالإنقلابات والثورات(36)

المدخلية والدعاة الجدد
مع أن الهجوم على الدعاة الجدد لم يقتصر على السلفية المدخلية بل شمل معظم التيارات السلفية الا أن الهجوم من قبل المداخلة كان منهجيا ومنظما ومركزا بشكل كبير فالمداخلة تعتبر الهجوم على المخالفين واجب شرعي وأصل من أصول العقيدة والمخالفون من وجهة نظرهم كل من ليس على منهجهم ..ويبدو أن شراسة الهجوم نبعت من كون الدعاة الجدد سرعان ما انتشروا في الاوساط الشعبية وعرفهم الناس وأصبحوا نجوما للفضائيات في حين ظل رموز المداخلة في الظل غير معروفين الا في بعض الأوساط السلفية ومن اللافت أن المتابع لخطابات المداخلة التي تهاجم الدعاة الجدد تركز على أنهم من "الرويبضة " وهو مصطلع ورد في حديث نبوي شريف أشار فيه النبي(ص) إلا أنه سيأتي على أمته زمان يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق وينطق فيها الرويبضة وعندما سأله أصحابه عن معنى المصطلح قال :التافة يتكلم في شأن العامة ..فمعظم الدعاة الجدد لا يمتلكون ناصية العلم الشرعي والذي كثيرا ما يدعي المداخلة أنهم يمتلكوه
فمحمد سعيد رسلان كان عندما يتحدث عن عمرو خالد لا يلقبه الا بالداعية "الفاشخ فمه دائما أو الداعية المفشوخ فمه دائما" ومن ضمن ماقاله : أن عمرو خالد يدعي أنه على خطى الحبيب – اشارة الى برنامج خالد الرمضاني – والحبيب منه بريء ثم يستشهد رسلان بما نسبه الى خالد بأنه قال" ماتت خديجة رضوان الله عليها في حضن رسول الله ومات الرسول في حضن عائشة فلم يمت النبي (ص) وهو يتلوا القرآن ولم يمت مجاهدا في سبيل الله أو هو ساجدا إنما مات (ص) في حضن عايشة هكذا ترون أن بيت النبي (ص) أحضان في أحضان أمثل هذا يقال في حق النبي (ص) ؟" أعتبر رسلان أن مثل هذا القول من خالد ضلال مبين .(37)
وصل الحد في الهجوم على خالد بأن طلب أحد مشايخ المداخلة محمود لطفي عامر في مقال له نشر على موقعه الرسمي وفي جريدة روز اليوسف المحسوبة على النظام الحاكم في مصر بأستتابة عمرو خالد وهو ما يعني اتهامه بالردة لكن عامر استدرك في مقاله وقال أنه يقصد الاستتابة عن الجهل الذي يتصف به خالد وأن أكد على أن خالد قال كفرا لايعتقده خالد ودعا خالد أن يعلن توبته عما قاله وإلا حوكم أمام القضاء كما دعا اتباع خالد عن الانفضاض من حوله والا أثموا إن شايعوا مبتدعا جاهلا سب النبي (ص) وطعن في نبوته ...أما ماجعل يتهم عمرو بأنه نطق كفرا فلأنه قال أن النبي (ص) مر بستة وعشرين محاولة فشلوا كلهم وبأن النبي كان "يهزر " مع النساء وأن الدين ليس مثاليا بل تجربة بشرية . (38)

(1) خطبة للشيخ عبدالعزيز الريس منشورة على موقعه الشخصي
(2) من خطبة لمحمد سعيد رسلان بعنوان " فتنة العمل الجماعي " وأخرى بعنوان "اتقوا الله في مصر"ومنشورة على موقعه الشخصي
(3) مقطع فيديو لأسامة القوصي على يوتيوب بعنوان "عن عدم جوزا الطعن في منصب المفتي "
(4) محاضرة لأسامة القوصي وسليم الهلالي بعنوان "من معالم المنهج السلفي " ومنشورة على موقع القوصي الشخصي
(5) مقال ليحيى بن يحيى الحدادي إمام وخطيب جامع عائشة بنت أبي بكر بالرياض ومنشورة على شبكة سحاب السلفية على الانترنت
(6) مقال لكاتب مجهول مرفوع على عدد من المواقع والمنتديات السلفية
(7) محاضرة لمحمد سعيد رسلان بعنوان " نظرة الاخوان في منهج الاخوان " ومنشورة على موقعه الشخصي
(8) مقطع لأسامة القوصي على يوتيوب بعنوان " عن الاخوان المسلمين والاغتيالات "
(9) كتاب لمحمود عامر بعنوان تنبيه الغافلين بحقيقة فكر الاخوان المسلمين " ومنشور على موقعه الشخصي
(10) خطبة بعنوان " سؤالات الى الاخوان المسلمين " لمحمد سعيد رسلان منشورة على موقعه الشخصي
(11) مقطع فيديو على يوتيوب لمحمد سعيد رسلان بعنوان " إفحام الاخوان المسلمين "
(12) المصدر السابق
(13) خطبة لمحمد سعيد رسلان بعنوان " الشعارات وحدها لا تكفي " ومنشورة على موقعه الشخصي
(14) محاضرة لمحمد سعيد رسلان بعنوان "حكم الاضرابات والاعتصامات " ومنشورة على موقعه الشخصي
(15) محاضرة لمحمد سعيد رسلان بعنوان " لاتعبثوا بأمن البلد " ومنشورة على موقعه الشخصي
(16) المصدر السابق
(17) المصدر السابق
(18) تصريحات لمحمود لطفي عامر لموقع "العربية نت "
(19) المصدر السابق
(20) مقال لمحمود لطفي عامر بعنوان " توريث مبارك للحكم جائز شرعا " ومنشور على موقعه الشخصي وعدد من المواقع السلفية
(21) المصدر السابق
(22) مقال لمحمود لطفي عامر بعنوان "المقاطعة بين التهييج والتشريع " منشور على موقعه الشخصي
(23) المصدر السابق
(24) مقطع فيديو على يوتيوب لأسامة القوصي بعنوان "عن الصلح مع اسرائيل "
(25) مقطع فيديو على يوتيوب لأسامة القوصي بعنوان" عن الجهاد والجيش "
(26) مقطع فيديو لأسامة القوصي على يوتيوب بعنوان "عن وصول حماس للسلطة "
(27) من خطبة لمحمد سعيد رسلان بعنوان " أهل غزة أدرى بقتلاها " ومنشورة على موقعه الشخصي
(28) مقال لمحمود لطفي عامر بعنوان " ليس بالحماس وحده تعيش حماس " ومنشور على موقعه الشخصي
(29) مقطع فيديو على يوتيوب لأسامة القوصي بعنوان " عن الصلح مع اسرائيل "
(30) مقال لمحمود لطفي عامر بعنوان " تصدير الغاز لاسرائيل جائز شرعا " ومنشور على موقعه الشخصي
(31) محاضرة لمحمد سعيد رسلان بعنوان " لاتعبثوا بأمن البلد " ومنشورة على موقعه الشخصي
(32) مقال لمحمود لطفي عامر بعنوان "وقفات حاسمة مع محمد إسماعيل المقدم ومحمد حسان ومحمد حسين يعقوب "
(33) مقال لمحمود لطفي عامر بعنوان " محمد حسان يجدد فكر سيد قطب بصبغة سلفية "ومنشور على موقعه الشخصي
(34) مقطع على يوتيوب لأسامة القوصي بعنوان " أسامة القوصي يترحم على سيد قطب وحسن البنا "
(35) مقال لمحمود لطفي عامر بعنوان "الآثار الاجرامية لفكر سيد قطب " ومنشور على موقعه الشخصي
(36) مقال لمحمود لطفي عامر بعنوان "حقيقة سيد قطب " ومنشور على موقعه الشخصي
(37) محاضرة لمحمد سعيد رسلان بعنوان " سؤالات الى الاخوان المسلمين " ومنشورة على موقعه الشخصي
(38) مقال لمحمود لطفي عامر بعنوان " استتابة عمر خالد " ومنشور على موقعه الشخصي
Read More

السلفية المدخلية ... المنبت والأفكار ( الحلقة الأولى )

صلاح الدين حسن
ظهر تيار "المدخلية" في المملكة العربية السعودية إبان حرب الخليج الثانية 1991 كتيار مضاد للتيارات المعارضة لدخول القوات
الأجنبية للجزيرة العربية- كالإخوان والسرورية- بعد غزو العراق للكويت؛ بل ذهب منظروه أبعد مما ذهبت إليه مؤسسات الدولة الرسمية مثل "هيئة كبار العلماء السعوديين" التي أفتت بجواز دخول القوات الأجنبية على أساس أن فيها مصلحة، إلا أنهم لم يجرموا مَن حرَّم دخولها، أو أنكر ذلك، فجاء "المدخلية" واعتزلوا كلا الطرفين، وأنشئُوا فكرا خليطًا يقوم على القول بمشروعية دخول القوات الأجنبية، ومعاداة من يحرم دخولها أو ينكر على الدولة ذلك، مؤسسين رأيهم على مرجعية سلفية تتمترس وراء أدلة من القرآن والسنة।
وسُمي هذا التيار في السعودية بـ"الجامية"؛ نسبة لمحمد أمان الجامي الأثيوبي الأصل، وهو المؤسس الحقيقي لهذا التيار، كما يُلقبون بـ "المدخلية" نسبة إلى ربيع بن هادي المدخلي، وهو أحد رموزهم في السعودية، كما يسمون بتسميات أخرى.
وهذه التسميات غير معترف بها من التيار الجامي أو المدخلي الذي ينسب نفسه إلى السلفية الخالصة، والذي يقوم أساس منهجه على رفض الطائفية والفرقة والتحزب، ومن ثَم كان من الأولى رفضه إطلاق مسمى على نفسه، لاسيما إذا كان يرجع إلى شخص مهما كانت مكانته (1).
وتحولت هذه المسميات من ألقاب تعطي توصيفات لتيار بعينه - تمييزًا له عن باقي التيارات - إلى لقب يعده الآخرون تهمة أو سبة تجرح من يتصف به؛ إلا أن رموز هذا التيار وعت ذلك؛ وقامت بالرد عليه وقبلت ضمنا بهذا المسمى، وحاولت أن "تبيض وجهه" بدلا من تجاهل التعامل معه ونكرانه.
وأبرز رموز هذا التيار السلفي في مصر محمود لطفي عامر وأسامة القوصي ومحمد سعيد رسلان وطلعت زهران وأبو بكر ماهر بن عطية وجمال عبد الرحمن وعلي حشيش وعبد العظيم بدوي.

التعريف والتمايز
لم يختلف المدخلية عن غيرهم من التيارات السلفية غير الجهادية الأخرى في اعتقادهم بعدم الخروج على الحاكم المسلم وإن كان فاسقا؛ ولا يختلفون عن غيرهم أيضا في أنهم اعتبروا أن الخروج على الخليفة عثمان بن عفان (رضي الله عنه) كان سبب الفتنة التي وقعت بين صحابة رسول الله(صلى الله عليه وسلم)، وأن الخروج على ولاة الأمور هو سبب الفرقة والضعف والخوار الذي أصاب الدولة الإسلامية.
إلا أن المدخلية - خلافا لكثير من التيارات السلفية - تعتبر أنه لا يجوز معارضة الحكم مطلقًا، ولا حتى إبداء النصيحة له علناً، وتعتبر ذلك أصلاً من أصول عقيدة أهل السنة والجماعة؛ ومخالفة هذا الأصل تعتبر خروجا على الحاكم المسلم(2).
والخروج مصطلح يطلق على إحدى الفرق الضالة التي تخرج عن نطاق أهل السنة والجماعة، وهو مصطلح تاريخي أيضاً يطلق على الطائفة أو الفرقة التي خرجت على الإمام علي (رضي الله عنه) وكفرته؛ متهمة إياه بالحكم بغير شرع الله، كما كفرت تلك الفرقة كل من لم يؤمن بما تعتقد به؛ وشنت حروبا على نظم الحكم على مر التاريخ الإسلامي.
كما أن المدخلية تعتبر أن الاعتراف بالحاكم والولاء له وحده لا يكفي إذا لم يتم الاعتراف بمؤسسات الدولة الأخرى، كمنصب المفتي مثلاً أو بمؤسسة الأزهر، كما أنه ليس لأحد أن يخرج عن فتوى علماء البلاد الرسميين، فإذا حلل هؤلاء العلماء فوائد البنوك فإنه على الرعية المسلمة في هذا البلد الإذعان لتلك الفتوى وعدم مخالفتها، ومن يخالف ذلك فإنه على طريق "الخوارج"(3).
وتتمايز المدخلية عن غيرها من التيارات السلفية في أنها تعتبر أن الجماعة المسلمة هي الدولة والسلطان؛ ومن ثم فهي تشن هجوماً حاداً على أي عمل جماعي، وتناهض الجماعات الإسلامية والحزبية؛ لأنها ضد مفهوم الجماعة في رأيهم؛ ومن ثم فهم "خوارج" على النظام، ومبتدعون في الدين، وهجومهم عليهم يهدف إلى إنهاء الفرقة في الأمة والتفافها حول سلطانها(4).

ويعرف المدخلية أنفسهم من خلال نقاط أساسية، تقول إن المدخلي هو:
· كل من يدعو إلى السمع والطاعة لولاة الأمور في المعروف، ويدعو لهم بالصلاح والعافية والتوفيق وحسن البطانة، سواءٌ في مجالسه الخاصة أو في خطب جمعة أو في محاضرة أو في مقالة.
· من يحذر من الخروج على ولاة الأمور، وينهى عن شق عصا الطاعة. ومن يحذر من الفكر التكفيري ورموزه.
· من ينشر فتاوى العلماء ومؤلفاتهم التي تحذر من الجماعات الحزبية كجماعة الإخوان المسلمين، وجماعة التبليغ وأمثالهم. والفتاوى التي تحذر من الطرق المخترعة المبتدعة في الدعوة إلى الله؛ كالأناشيد المسماة بالإسلامية، والتمثيل، والقصص وأمثالها، وردود العلماء ومؤلفاتهم التي تكشف عن أخطاء الجماعات، أو أخطاء الدعاة التي تمس العقيدة أو تمس منهج الدعوة إلى الله تعالى.
· كل من يحذر الشباب من الانخراط في الفتن التي لبست بلباس الجهاد، وهي لم تستوف شروط الجهاد الشرعي.
· من يحذر من استغلال الأنشطة الخيرية المشروعة لتحزيب الشباب وضمهم إلى التيارات التكفيرية التدميرية.
· من لم يرتض أن ينضم تحت لواء أي فرقة من الفرق، وإنما اكتفى باسم الإسلام والسنة والانتماء إلى السلف الصالح لا يتعصب لفرقة، ولا يتعصب لرأي، ولا يسير على منهاج دعوي مخترع.
· من يحرص على التوحيد دعوة وبياناً، ويحرص على بيان الشرك تنبيهاً وتحذيراً، ويعتني بنشر العلم الشرعي وبيان البدع حسب استطاعته.
· من يوقر العلماء العاملين الذين بذلوا أنفسهم لنشر العلم الشرعي، وبذلوا أنفسهم لرد البدع والتحذير من أهلها، يحبهم في الله ولا يطعن فيهم ولا يسميهم علماء حيض ونفاس، ولا علماء سلاطين، ولا يلمزهم بشيء من صفات النقص، مع اعتقاده أنهم بشر يخطئون ويصيبون، لكن يكفيهم فضلاً ونبلاً أنهم في غاية الحرص على موافقة الكتاب والسنة ومنهاج السلف الصالح(5).

أما خصوم المدخلية فيقولون إنهم:

· يعتبرون أن الحكم بما أنزل الله أمرًا فرعيًا، وليس أصلاً من أصول العقيدة، وبذلك فان من يحكم بغير ما أنزل الله ويشرع القوانين الوضعية المخالفة للنصوص الإلهية لا يكون قد ارتكب ناقضاً من نواقض الإسلام بأي حال من الأحول.
· يرون أن أي اعتراض بأي وسيلة على أفعال الحكام هو من فعل الخوارج المارقين.
· يرون أن كل من وقع في بدعة "أو ما يظنونه بدعة" سواء كان قاصداً أو متأولا أو مخطئا أو ناسيا فهو مبتدع لا يقبلون منه صرفا ولا عدلا ولا يأخذون عنه كلمة حق قالها، ويرون من واجبهم تحذير الناس منه ونبذه بالكلية.
· يعتبرون من ارتكب فعلا من أفعال الكفر هو كافر، دون إقامة حجة أو انتفاء موانع التكفير وتحقق شروطه.
· يسبون علماء الأمة ودعاتها من كل التيارات والتوجهات المخالفة لهم، ويصفونهم بالمبتدعين والزنادقة والخوارج وغيرها من الألفاظ، وهم متفاوتون في هذه المسألة؛ فمنهم من يجاهر بذكر أسماء من يتهمهم؛ ومنهم من لا يجرؤ على ذلك، حتى لا ينصرف عنه الطلبة والأتباع.
· يعتبرون العمل الجماعي في الإسلام من الفتن التي تجب محاربتها، وبذلك فإنهم يصنفون أي جماعة تعمل في الدعوة إلى الله كجماعة مبتدعة بدءًا من جماعة الإخوان المسلمين، مرورًا بجماعة التبليغ والدعوة، وصولا إلى كافة الجماعات المجاهدة والدعوية في العالم.
· يرون أن تسلط اليهود والنصارى على المسلمين هو أمر قدري لا حيلة لنا فيه، وأنه مع تفوق المشركين على المسلمين في كل الجوانب المادية فإن جهادهم يعد مهلكة، فلا يجوز جهادهم بحال من الأحوال إلا إن أذن "ولي الأمر" بذلك.
· يعتبرون أنهم وحدهم الممثلون الحقيقيون للمنهج السلفي، وأن كل من عداهم مبتدعون، ويصطادون الأخطاء ولي عنق الكلام لكل من خالفهم، كما أنهم يستدلون على أقوالهم باستدلالات باطلة فاسدة، ويحاولون اقتناص ما يوافق آراءهم من كلام الأئمة الكبار المشهود لهم من السلف والخلف، واجتزاء كلام العلماء لتبرير منهجهم، ويستدلون لكلامهم بنقل مغلوط عن شيوخ كبار كابن باز وابن عثيمين والألباني وغيرهم.
· يحملون عقيدة المرجئة، باعتبار أن الإيمان هو التصديق بالقلب فقط ولا يلزمه عمل، وبذلك فإن من ارتكب عملا يناقض الإيمان في عقيدة أهل السنة فانه لا يكفر إلا إذا كان يعتقد الكفر بقلبه!.
· يسيئون للمنهج السلفي بأفعالهم وكلامهم، حتى نفر كثير من الناس من المنهج السلفي لما حسبوا أن هذا هو المنهج السلفي.
· يلغون الأخذ عن كثير من علماء المسلمين سلفا وخلفا، بسبب بعض أخطاء هؤلاء العلماء-وفق رأيهم- كالنووي وابن حزم وابن حجر العسقلاني وغيرهم.
· يتنابزون حتى بين بعضهم البعض ممن يحملون نفس المنهج، فيبين كل منهم بدع وأخطاء بعضهم البعض.. وهذا حصل مع أسامة القوصي وفالح الحربي وغيرهم(6).

المدخلية والإخوان
كان الإخوان على أجندة هجمات المدخلية المصرية، التي زادت قوة وشراسة على الإخوان بسبب قوتهم في الساحة المصرية وانتشارهم العددي والفكري وتوغلهم في المجتمع المصري.
بالإضافة إلى أن السلفية المدخلية ظهرت على السطح كتيار يحارب العمل الجماعي المنظم عموما، والمعارض للدولة على وجه الخصوص، والذي "ينازع الأمر أهله" بشكل أدق، والإخوان تتوافر فيهم كل هذه الصفات؛ ومن ثم ينزل عليهم حكم المدخلية بأنهم "خوارج" و"مبتدعة في الدين" وإحدى الفرق الضالة".(7)
فأسامة القوصي - أحد رموز المدخلية في مصر - وصف في محاضرة له جماعة الإخوان المسلمين بأنها "أخطر جماعة في مصر" وبأنها "فكرة شيطانية"؛ ومن تحت عباءتها خرجت جماعة التكفير والهجرة، وحزب التحرير والجماعة الإسلامية. ودعا الرجل في أكثر من موضع إلى حظرها عمليا، إضافة إلى حظرها قانونياً لمنع أسباب الإرهاب الفكري، إلا أن الرجل التمس للنظام العذر في عدم استئصالها نهائياً لأن الإخوان مخترقون – حسب تعبيره – لكل مؤسسات الدولة؛ ولذا فليس من السهل أن يقتلعوا من البلد "لأنهم أخطبوط وسرطان"، لكنه دعا الجميع للتعاون في استئصال حركتهم.
وفي المحاضرة ذاتها أصَل القوصي لهجومه على جماعة الإخوان قائلاً: "الدعوة السلفية النقية هي جماعة أفهام لا جماعة أبدان، وهي جماعة ربانية أسسها محمد (صلى الله عليه وسلم) وليست جماعة بشرية كجماعة الإخوان المسلمين التي وضعها بشر لا عصمة له حتى لو غررت بالشعارات الإسلامية".
وذكر بمقولة النبي "دعوها فإنها منتنة" – يعني العصبية القبلية والحزبية – كما استشهد القوصي بأن المهاجرين والأنصار رغم أن أسماءهم منزلة من عند الله فإنهم كادوا أن يتحزبوا على أساسها، لولا أن النبي حذرهم، كما أن الجماعة المسلمة جماعة واحدة لا جماعات.
ويخلص القوصي في محاضرته إلى أن الجماعة المسلمة هي الدولة والسلطان؛ ومن ثم فإنه سيحارب أي عمل جماعي خارج على النظام الدولة، وسيناهض الجماعات الإسلامية والحزبية؛ لأنها في رأيه ضد مفهوم الجماعة، وحربه ضدهم تهدف إلى إنهاء التفرق في الأمة والتفافها حول سلطانها(8).

وأخذ الهجوم المدخلي على الإخوان محورين:
المحور الأول المنطق العقلي الذي يتتبع أخطاء الإخوان السياسية والعلمية والتاريخية من وجهة نظر هذا التيار، وفي أحيان كثيرة من وجهة نظر خصوم الجماعة من العلمانيين واليساريين والليبراليين ليصل في النهاية إلى نتيجة مؤداها أن وجود جماعة الإخوان جعل من الواقع أكثر مرارة، وزاد الفرقة والانحراف عن النهج السلفي القويم، فعلى سبيل المثال كانت هناك مشكلة فلسطين، والآن زاد عليها مشاكل في أفغانستان والشيشان وكشمير وغيرها، كما أن فتق الفرقة اتسع بتعدد الجماعات والاتجاهات والزعامات، ولم يستطع الفكر الإخواني أن يعالج انحراف الأمة في العقيدة أو في السياسة أو في السلوك أو حتى في مشاكلها الحضارية التي تئن بها. بل ذهب المدخلية إلى أكثر من ذلك، بالقول إن سبب هذا الانحراف هو الفكر الإخواني نفسه.

والمحور الثاني عَرْض الجماعة بأفكارها وتجربتها على شرعية سلفية من وجهة نظرهم، ويؤكد رموز هذا التيار على أنها عين الكتاب والسنة بفهم السلف الصحيح والنقي، ليصل إلى نتيجة مؤداها أن جماعة الإخوان المسلمين جماعة بدعية لا سلفية شرعية، وأنها خارجة على منهج أهل السنة والجماعة(9).
حيث ألف محمود لطفي عامر – أحد رموز المدخلية المصرية – كتابا تحت عنوان "تنبيه الغافلين بحقيقة فكر الإخوان المسلمين" شن فيه هجوماً شرساً على جماعة الإخوان، بالإضافة إلى عدد كبير من المقالات والمحاضرات الصوتية والمرئية التي اتهم فيها جماعة الإخوان المسلمين بأنها جماعة تكفيرية خوارجية؛ تتبنى مفاهيم العمل السري، بل إن الرجل تعرض إلى رموز الإخوان بالنقد العنيف من خلال تتبعه لسيرهم ومذكراتهم وأقوالهم؛ لإثبات أنهم مبتدعة يخالفون شرع الله، وخصص عامر فصلاً في كتابه يتهم فيه حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين بأنه صوفي وحزبي، وهو اتهام من وجهة نظر الكاتب يجرح المتهم به ويسقطه.
ويكاد يكون اتهام حسن البنا بأنه صوفي اتهامًا يشترك فيه معظم رموز المدخلية المصرية، فهذا الاتهام له حساسيته عند منتمي الفكر السلفي بشكل عام، فقد هاجم الشيخ محمد سعيد رسلان حسن البنا- مؤسس جماعة الإخوان- واتهمه بأنه صوفي، مستشهدا بفقرات من كتاب البنا "مذكرات الدعوة والداعية"، أكد فيها البنا بأنه أسس جماعة الإخوان المسلمين خلفا لجمعية الطريقة الحصافية الشاذلية الصوفية التي أنشأها في بلدته في المحمودية إحدى قرى محافظة البحيرة(10).
وفي المحاضرة ذاتها هاجم رسلان عدداً من رموز جماعة الإخوان المسلمين، مستندا إلى بعض كُتب تلك الرموز، أو تصريحات للصحف؛ لإثبات انحراف مناهج الجماعة.
واعتبر رسلان أن ما قاله حسن البنا من أن خصومة الأمة مع اليهود ليست دينية- لأن القرآن حث على مصاهرتهم ومصادقتهم، وأن الإسلام شريعة إنسانية قبل أن تكون شريعة قومية- هو انحراف عن عقيدة أهل السنة والجماعة، وفهم مغلوط وغريب.
وفي المحاضرة نفسها هاجم رسلان المرشد الثالث لجماعة الإخوان عمر التلمساني؛ لأنه اعترف في كتابه "ذكريات لا مذكرات" بأن في حياته بعض ما لا يُرضي المتشددين من الإخوان وغيرهم، مثل حبه للرقص الإفرنجي والموسيقى؛ وحبه للانطلاق في حياته بعيداً عن التزمت الذي لم يقر به دين.
كما هاجم رسلان الشيخ يوسف القرضاوي معتبرًا إياه من الإخوان المسلمين؛ وذلك لأنه امتدح الديمقراطية الإسرائيلية في خطبة جمعة له نشرت في مجلة الوطن الكويتية(11).
وانتقد رسلان بحدة وغضب ما قاله القرضاوي في برنامج "الشريعة والحياة" الذي تبثه قناة الجزيرة الفضائية، ناعيا بابا الفاتيكان يوحنا بولس الثاني، ووصفه له "بأنه علم من أعلام المسيحية.. والحبر الأعظم.. وأنه كان مخلصا لدينه، وناشطا في نشر دعوته والإيمان برسالته.. فنحن ندعو له بالرحمة ويجزيه بقدر ما قدم للإنسانية من خير ومن عمل صالح.. نسأل الله أن يعوض الأمة المسيحية فيه خيراً"(12).
وهاجم محمد سعيد رسلان شعار الإخوان المسلمين الشهير "الإسلام هو الحل"، وقال: "كل شعار يرفع لابد أن يكون صحيحا في ذاته؛ وأن يكون مرفوعاً على حقيقة صحيحة؛ وأن يكون مناسبا للزمان الصحيح والمكان الصحيح"، وتساءل رسلان مستنكراً: "هو الحل، لكن ما هو الذي هو الحل؟، يقولون نحن البديل، أي بديل؟!، البديل في كتاب الله وسنته، هي التقوى والتقوى تحتاج إلى علم نافع وعمل صالح، والعلم النافع ينبغي أن يكون مقيداً بما جاء به رسول الله كتاباً وسنة، والعمل الصالح ينبغي أن يكون على قدر ما جاء به الرسول كتابا وسنة"(13).

Read More

الاخوان والحائط السد ... حوار مع محمد حبيب

الدكتور محمد حبيب من القيادات المهمة داخل جماعة الإخوان المسلمين في مصر، فقد كان النائب الأول للمرشد العام السابق للإخوان والمسلمين، ومن الشخصيات التي لعبت دورا مؤثر في الإخوان في السنوات الأخيرة.

وفي هذا الحوار -الذي جاء عقب الانتخابات البرلمانية المصرية التي شارك فيها الإخوان ثم انسحبوا بفعل ما أسموه بالتزوير والفساد الذي حسمها للحزب الوطني الحاكم بنسبة فاقت الـ95% من مقاعد البرلمان- يتحدث حبيب عن الفارق بين انتخابات 2005م التي حصل الإخوان فيها على 20% من مقاعد البرلمان وانتخابات 2010م التي ليس للإخوان اي تمثيل فيها؛ مؤكدا أن ذلك التوجه هو استراتيجية من النظام السياسي لحبس جماعة الإخوان داخل تنظيمهم وعزله عن الشعب المصري؛ وتأكيده أن البرلمان يشكل للإخوان مظلة قانونية وسياسية للتواصل الإخواني مع الجماهير.

وتناول حبيب في حواره كذلك بعض المبادرات داخل الجماعة ومنها مبادرات بضرورة اعتزال السياسة ما بين 12 إلى 20 عاما يعكتف خلالها الإخوان لعملية إصلاح داخلي، وتنازل –أيضا- رؤيته لإصلاح الإخوان المسلمين.

والدكتور محمد حبيب من مواليد 1943، وتخرج في كلية العلوم، ثم سافر للدراسة في للولايات المتحدة عام 1978م وحصل على الدكتوراه وعمل أستاذا جامعيا، وتعرض للاعتقال عدة مرات على خلفية الانتماء للإخوان المسلمين

* لماذا فتح لكم النظام الباب في 2005 ثم أوصده مرة أخرى في 2010؟ هل استنفد غرضه من الجماعة بإثباته للغرب وللأقباط بأنه لا يوجد في مصر غير ديكتاتور متعاون أو إسلامي متطرف؟

** لم يفتح النظام الباب لإجراء انتخابات شبه نزيهة عام 2005م إلا بسبب الضغوط التي مارستها عليه إدارة الرئيس بوش.

وقد فهم الشعب المصري بذكائه أنه يوجد ثمة رضا من قبل النظام لهذا التوجه، فخرج عن بكرة أبيه يظاهر المرشحين من الإخوان.. ولعلنا لاحظنا ذلك في المسيرات والمؤتمرات التي حضرها عشرات الألوف من جماهير الشعب أثناء حملة الدعاية الانتخابية، فضلا عن الإصرار على الوصول إلى صناديق الاقتراع أيام التصويت.

ثم كان هناك الإشراف القضائي الكامل، داخل لجان الاقتراع، وقد تمثل هذا في قاض لكل صندوق. وقد حاز الإخوان في المرحلتين الأولى والثانية على 76 مقعدا، وهو ما جعل النظام يفقد اتزانه، فانقلب في المرحلة الثالثة إلى وحش كاسر يبطش بالإخوان وأنصارهم في معركة تكسير عظام.. وقد تمخضت هذه المعركة عن 14 قتيلا و 800 جريح ومصاب ومعوق، و1700 معتقل، وفاز الإخوان في هذه المرحلة بـ 12 مقعدا فقط.

بعد ذلك جاءت الانتخابات التشريعية الفلسطينية في 25 يناير 2006 وفازت فيها حماس بأغلبية جعلتها تشكل الحكومة.

ومن هنا بدا واضحا للمراقبين والمحللين أن أجواء الحرية والديمقراطية، وإجراء انتخابات حرة وشفافة ونزيهة، سوف تمكن الحركة الإسلامية (خاصة الإخوان) من تحقيق الأغلبية التي تستطيع بها تغيير الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي في بلادها..وهذا مرفوض داخليا وخارجيا.

وقد ترتب على ذلك تغيير كامل فى استراتيجية التعامل مع الإخوان..وعاد النظام يمارس ديكتاتوريته واستبداده المعهودين.. ظهر ذلك في التضييق والملاحقة والاعتقالات والمحاكم العسكرية لنشطاء الإخوان.. وظهر أيضا في الانقلاب على الدستور فى 34 مادة منه، والتي تضمنت إقصاء الإشراف القضائي على الانتخابات..وظهر كذلك في التزوير الكامل في انتخابات الشورى عام 2007 ، وانتخابات المحليات عام 2008 ، وانتخابات الشورى عام 2010 ، وانتخابات مجلس الشعب عام 2010 .

* كنت مع المرشد السابق مهدي عاكف وقت إجراء التفاهم بينكم وبين ما أسماه عاكف (شخصية مهمة في النظام) للاتفاق على عدد المرشحين الإخوان في انتخابات 2005 مقابل حرية الحركة وعدم التدخلات الحكومية.. هل طرحتم هذا على مجالس الشورى؟ وهل يعنى هذا أن دخولكم البرلمان مرهون بإذن وأغراض النظام؟ ولماذا تتم محاسبة قيادات الجماعة على هذا الاتفاق بعد الإعلان عنه للقواعد؟

** يجب أن نعترف أن هناك أزمة فى العلاقة بين السلطة والإخوان في مصر، نتيجة تراكمات على مدى عقود، وأن هذه الأزمة كانت ـ وما تزال ـ تمثل جزءا من أزمة السلطة مع المجتمع ككل.

وقد كان هناك بالفعل مشروع تفاهم بين السلطة والإخوان فى بداية عام 2005، في إطار إصلاح سياسي عام يهم كل أبناء الوطن..وقد سعت إليه بعض الشخصيات الوطنية التى تربطها علاقات حسنة بالطرفين والتي كانت تأمل في أن حل هذه الأزمة سيكون له أثر إيجابي على كل الأطراف؛ المجتمع والسلطة والإخوان، على اعتبار أن الإخوان يمثلون أكبر فصيل سياسي معارض في مصر.

وقد كان ضمن هذا المشروع بطبيعة الحال موضوع الانتخابات 2005..لكن للأسف تعثر المشروع فى بداياته لاختلاف الرؤى والتصورات..وبالتالي لم يكن هناك شيء يمكن طرحه أصلا على مجلس الشورى..نحن أردنا أن يكون هناك مشروع متكامل له ملامحه، لكن ذلك ـ للأسف ـ لم يحدث.

إن قرار المشاركة فى الانتخابات البرلمانية هو قرار إخواني صرف ولا دخل لأية جهة فيه..أما دخول البرلمان، أو عدمه، لمرشحي الإخوان وغيرهم فهو فعلا مرهون بإرادة السلطة، خاصة بعد الإقصاء الكامل للإشراف القضائي، وذلك واضح في الانتخابات البرلمانية الأخيرة.

اختلاف السياق

* من وجهة نظركم، هل قدرت قيادة جماعة الإخوان المسلمين اختلاف السياق العام الداخلي والخارجي في دخول الانتخابات في 2005 عن سياق انتخابات 2010

( انتكاسة الحراك السياسي ـ تمديد العمل بقانون الطوارئ ـ التعديلات الدستورية وإلغاء الإشراف القضائي ـ انقسامات المعارضة ـ وانقسامات داخلية)؟

** بالطبع كان هناك تقدير كامل لهذا الاختلاف، ولم يكن الإخوان يتصورون أنهم سيحصلون في هذه الانتخابات على ما حصلوا عليه في انتخابات 2005، وإنما كان تقديرهم في حدود من 10 إلى 15 مقعدا فقط..لكن يجب ألا ننسى أن ما حدث في انتخابات 2010 من انتهاكات ومهازل فاق كل تصور.. لقد كان هناك تزوير، وليس انتخابات.

* هل كان الإخوان غير عارفين بأن الانتخابات ستزور، وما إن زورت أعلنوا انسحابهم، أم كانوا يعلمون أنها ستزور ثم دخلوها لكى يحرجوا النظام؟

** الشعب المصري كله، حتى الناس البسطاء، كانوا يعلمون أن الانتخابات ستزور بنسبة عالية، لكن لم يكن أحد يتوقع أن يكون التزوير لصالح حزب السلطة فجاء على هذا النحو الكارثي وغير المسبوق.

ما كان يهم الإخوان هو ألا يغيبوا عن الساحة السياسية، خاصة أن السلطة تتبنى استراتيجية إقصائهم تماما منها..وقد أثبتوا حضورهم بشكل قوي، وبرزوا كرقم صعب لا يمكن تجاوزه..صحيح أنهم كانوا يستهدفون الحصول على عدد معقول من المقاعد داخل المجلس، لكن بدا واضحا من الجولة الأولى أن السلطة مصممة على الإقصاء الكامل لهم..لذا كان لا بد من الانسحاب.

* ما هي مكاسب الجماعة وخسائرها من قرار الدخول ثم الانسحاب؟

** من المكاسب: امتلاك الجماعة لقرارها، إثبات وجودها وحضورها كرقم لا يمكن تجاوزه أو إغفاله فى أي معادلة سياسية، واستعادة احترام الرأي العام لها ( وإن كان البعض يعتبر الانسحاب ليس لمبدأ وإنما بسبب عدم الفوز بأي مقعد في الجولة الأولى).

ومن الخسائر: فقد المقاعد القليلة التى كان من الممكن أن تحصل عليها الجماعة، وازدياد حدة الأزمة مع السلطة ،ما سيترتب عليه مزيد من التضييق في الفترة القادمة.

آلية الشورى الإخوانية

* نسبة الـ 98 % من مجلس الشورى تقرر خوض الانتخابات، ثم تنقلب هذه النسبة إلى مؤيدة للانسحاب قبل جولة الإعادة..هل ترى أن آلية الشورى عند الجماعة صالحة في ظل مجلس شورى لا يجتمع أصلا؟

** بالتأكيد استطلاع رأي أعضاء مجلس الشورى كأفراد يختلف عن استطلاع رأي المجلس مجتمعا، حيث تكون هناك مناقشة وحوار وتبادل آراء..وفي هذه الحالة ربما تتبدل أو تتغير النسبة كثيرا، سواء فى المشاركة، أو فى الانسحاب..غير أن هناك مشكلتين فى مسألة الشورى في الجماعة..المشكلة الأولى عدم استطاعة عقد اجتماع مجلس الشورى بسبب الظروف السياسية والأمنية.

والمشكلة الثانية هي الخلط بين الهيئتين التنفيذية والشورية..فالمرشد يترأس مجلس الشورى وهو عضو فيه، وأعضاء مكتب الإرشاد هم في نفس الوقت أعضاء في مجلس الشورى، ورؤساء المكاتب الإدارية أعضاء في مجلس الشورى، و معظم إن لم يكن كل أعضاء مجلس الشورى يقومون بأعمال تنفيذية.

فإذا أضفنا إلى ذلك أن مكتب الإرشاد له أن يعين 15 عضوا في مجلس الشورى..لتبين لدينا أن نسبة التنفيذي إلى الشورى داخل المجلس تكاد تصل إلى حوالى 98 %..ولحل هذه المعضلة لا بد من فصل التنفيذي عن الشورى حتى تكون لدينا شورى بالمعنى الحقيقي للكلمة.

* هل تمتلك جماعة الإخوان المسلمين الآن قادة سياسيين من الدرجة الرفيعة لديهم قدرة على إبحار سفينة الجماعة في ظل الأنواء السياسية التي تمر بها البلاد حاليا؟

** جماعة الإخوان المسلمين جماعة ولود ولديها مخزون كبير من ذوي الطاقات المبدعة والإمكانات الخلاقة.. لكن المشكلة في المناخ السياسي الرديء الذي تعيشه الجماعة ويعيشه المجتمع المصري.. ولا شك في أن القمع والبطش الذي تمارسه السلطة في حق الإخوان، فضلا عن الملاحقة والمطاردة وكافة وسائل التضييق يمنع من وجود حراك حقيقى وفاعل داخل الجماعة بما يؤدى إلى ظهور قادة سياسيين مبدعين.

الإخوان وتكلفة الانتخابات

* البعض يرى أن الجماعة تخاذلت في الوقوف بقوة ضد التعديلات الدستورية حتى لا تثير غضب النظام، وحتى لا يصدر أحكاما قاسية على قيادات الجماعة المحاكمين عسكريا، ثم بعد أن صدمها النظام في أحكامه تجني ثمار سياستها الخاطئة.

** لعلنا نذكر تلك التظاهرات الضخمة التي قام بها الإخوان أثناء رفضهم تعديل نص المادة 76 من الدستور عام 2005، وخلال دفاعهم عن السادة القضاة فى 18 مايو 2006، وكيف تم اعتقال أكثرمن خمسة آلاف متظاهر منهم آنذاك، ومع ذلك مضى النظام في سياسته وتنفيذ ما أراد.. وقد كان من الممكن أن يكرر الإخوان ذلك أثناء نظر التعديلات الدستورية وقبل الاستفتاء عليها في 25 مارس 2007، بغض النظر عن الأحكام العسكرية التي صدرت بعدها في 15 أبريل، إلا أنهم كانوا على يقين من أن النظام لن يعبأ بالتظاهرات ما لم يشارك فيها الشعب بالثقل الكافي الذي يجعل هذا النظام يتوقف عن المضي قدما في فرض ما يريد.

* هل ترى أن الجسد الإخواني أرهق من كثرة دخول الانتخابات، وأن هذا الجسد لا بد له من استراحة محارب؟ أم أن الجماعة حسبما يرى البعض في حاجة لهذا الصراع الدائم الذي تحيا عليه؟

** لأسباب كثيرة ومتعددة، ومنذ عام 1990 تحديدا وحتى الآن والنظام ينتهج استراتيجية حبس الإخوان داخل التنظيم، أي الحد من نشاطهم ومحاولة منعهم من ممارسة العمل الدعوي العام.. تلاحظ ذلك في التضييق عليهم داخل الجامعات، والنقابات المهنية، والجمعيات، والمساجد..إلخ. ومن ثم تصبح المشاركة في الانتخابات هي الوسيلة الأنجع في التواصل مع الجماهير على المستوى المجتمعي العام.. ولأن النظام يعلم ذلك جيدا، لذا فهو يعمد إلى القيام باعتقال أعداد كبيرة من الإخوان أثناء حملات الدعاية الانتخابية، ليس لتقليص فرص من يحتمل فوزه من مرشحي الإخوان فحسب وإنما لمنع الإخوان من استثمار الدعاية في العمل الدعوي.

مبادرة أبو الفتوح

* ما رأيكم في المبادرة التي طرحها الدكتور أبو الفتوح والتي دعا فيها الجماعة إلى الابتعاد عن دخول الانتخابات 20 عاما، وقال إن الإخوان ليسوا في حالة منافسة على السلطة، وأن ذلك ليس من وظائف الجماعة، وأن النظام يتخذ من صراع الجماعة معه ذريعة لبقائه، كما دعا إلى فصل الدعوي عن الحزبي لا السياسي، كما دعا إلى عدم الربط بين السلطة والدعوة؟

** هذه المبادرة سبقه إليها الدكتور محمد البلتاجي، وإن كان قد حدد الفترة بـ 12 عاما فقط، أي فترتين رئاسيتين..والفكرة ليست جديدة، فلعلنا نذكر أن الإخوان وأحزاب الوفد والعمل والأحرار قاطعت الانتخابات عام 1990، في محاولة للضغط على النظام آنذاك لتوفير ضمانات لنزاهة الانتخابات، وقد شذ حزب التجمع عن ذلك.

وقد أدرك المقاطعون فيما بعد أن النظام لم يكترث لهذه المقاطعة، فشاركوا في انتخابات 1995.

عموما تحتاج الفكرة إلى دراسة جادة فى ظل المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية التي نعيشها، وما هو متوقع في المرحلة القادمة..وفي تصوري إن المشكلة بالنسبة للسلطة لا تكمن في المشاركة بحد ذاتها، وإنما في حجم المشاركة.

وأرى أنه من المبالغة اعتبار المنافسة على بضعة مقاعد داخل مجلس الشعب منافسة على السلطة، لكن هذه المقاعد تهيىء للإخوان مظلات سياسية وقانونية لممارسة العمل التربوي والدعوي، علاوة على توضيح وتبيان رؤى الإخوان فى المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي يعانيها المجتمع، فضلا عن التصدي للاستبداد وملاحقة الفساد عبر القنوات القانونية.

إن المنافسة على السلطة تتطلب تشكيل حزب سياسي للإخوان، وهو ما يمكن اعتباره أمرا مستحيلا في ظل المناخ السياسي الحالي..ثم إن الإخوان لن ينافسوا على السلطة مالم تتكون قاعدة جماهيرية ورأي عام قوي يستطيع فرض إرادته عليها ويكون قادرا على محاسبتها، وحتى عزلها، حال تقصيرها أو مخالفتها ما تعهدت به أمام الرأي العام، وهذه هي الضمانة الحقيقية للديمقراطية.

* ما الذي يجب أن يفعله الإخوان في المرحلة القادمة في تصورك، وما هي الملفات التي يجب فتحها؟

** حالة اليأس والإحباط التي تسود الشعب المصري الآن جراء ما حدث من اغتصاب وسرقة للوطن في وضح النهار من خلال المسرحية الهزلية المسماة بانتخابات مجلس الشعب، أقول هذه الحالة تحتاج إلى:

أولا: خطاب رصين إلى الشعب يستهدف انتشاله من وهدته، وإحياء الأمل في قلبه، ويدعوه إلى عدم الاستسلام إلى حالة الضعف والوهن التي يشعر بها، واستعادة الثقة في نفسه وقدرته على التغيير، وأنه لا يضيع حق وراءه مطالب، وأن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة..إلخ.

ثانيا: جمع قوى المعارضة حول المطالب السبعة التي دعت إليها وتبنتها الجمعية الوطنية للتغيير، وتحديد الوسائل والأدوات لتحقيق ذلك، ولو على مراحل، وأن تكون هناك شفافية وصراحة ووضوح بين الفرقاء، وأن تكون إدارة العمل وفق آلية الشورى أو الديمقراطية، فليس من المعقول أن نواجه سلطة استبدادية ونحن نمارس الاستبداد فيما بيننا..ويجب أن نضع في اعتبارنا أن المرحلة القادمة ربما تتطلب تضحيات كبيرة في الوقت والمال والجهد، وربما الحرية.

* هل فتحت الجماعة بالفعل ملف الإصلاح الداخلي، أم أنه أجّل لإشعار آخر، وما هي أهم الملفات التي يجب أن تفتح أولا؟

** أعتقد أن كل شىء مؤجل الآن، وأظن أن السلطة حريصة على ألا يحدث أي تطوير في أداء الجماعة، من خلال عدم إتاحة الفرصة لها لسد ثغراتها وإعادة ترتيب أوراقها، وذلك بالتضييق عليها وتوجيه ضربات انتقائية للجماعة بين الحين والآخر..غير أني أتصور أن أهم الملفات التي يجب أن تكون لها الأولوية الكبرى هي الشورى في الجماعة.

يجب أن يترك المرشد وأعضاء مكتب الإرشاد مواقعهم في مجلس الشورى حال اختيارهم لمواقعهم الجديدة، وألا يكون رؤساء المكاتب الإدارية أعضاء في مجلس الشورى، وألا يعطى لمكتب الإرشاد حق تعيين أعضاء في مجلس الشورى، وأن ينتخب هذا المجلس رئيسا له ونائبا للرئيس وأمينا للسر، بحيث يستطيع أن يمارس صلاحياته كاملة في التشريع والمراقبة والمحاسبة.

* ما هو مستقبل جماعة الإخوان المسلمين في السنوات القادمة؟

** في ظل حالة الركود وانسداد الأفق السياسي اللذين تعيشهما مصر، لا يستطيع أحد أن يتكهن بما سوف يحدث اليوم أو غدا أو بعد غد.. أنا أشعر بأن الإخوان ـ وكل القوى السياسية والوطنية - أمام حائط مسدود على المستويين الداخلي والخارجي.. ويتوقف مستقبل المشروع النهضوي للجماعة على مدى ما يمكن أن تحدثه من ثقوب وثغرات في هذا الحائط.. عليها أن تفكر في طرح جديد يأخذ بزمام المبادأة، لا أن تظل الجماعة مرهونة بسياسة الفعل ورد الفعل التي يفرضها عليها النظام.

Read More

Services

More Services

© 2014 صلاح الدين حسن. Designed by Bloggertheme9 | Distributed By Gooyaabi Templates
Powered by Blogger.