أرشيف المدونة الإلكترونية

من أنا

صورتي
القاهرة
كاتب صحفي متخصص في الجماعات والحركات الاسلامية في مصر والعالم رقم هاتفي 0020109899843 salaheldeen1979@hotmail.com

Most Popular

الجمعة، 9 أبريل 2010

سعيد رسلان..سلفي عدو الجماعات ومحارب الاحتجاجات



صلاح الدين حسن 03-03-2010

انتزعت نفسي بحركة بهلوانية من الكتلة البشرية الملتصقة بي، ثم دفعت نفسي عشوائيا خارج الباص عندما أخبرني السائق أنني وصلت إلى "سبك الأحد"، كنت في صباح يوم جمعة، وكانت قطرات المطر تتراشق فوق رأسي ورؤوس المشاة السائرين بجواري.. لم أسأل عن مبتغاي، بل حذوت حذو أناس من ذوي الهيئة السلفية (جلباب قصير ولحية كثة) أدركت منذ الوهلة الأولى أن السير خلف هؤلاء سيقودني إلى مبتغاي (المسجد الشرقي -سبك الأحد- أشمون- المنوفية شمال القاهرة).

إذن هذه هي القرية التي يقال إنها قلعة السلفية المدخلية وحصنها المنيع الذي يقوده الشيخ محمد سعيد رسلان، والذي يأتي إليه من كل صوب وحدب أفارقة وآسيويون وأوروبيون، حتى قيل إن أسعار العقارات والإيجارات قد ارتفعت في هذا المكان. كانت مظاهر السلفية بادية على سكان هذه القرية؛ فبدا أنها إحدى ثمرات دعوة الشيخ هناك.. ومع أن الساعة كانت العاشرة صباحا إلا أن الوفود من مختلف المحافظات كانت قد بدأت في التدافع على المسجد يحاولون حجز المجالس في الصفوف الأمامية.

قبل الأذان بلحظات دخل الشيخ وعيون الحضور تدور مع حركته حتى صعد المنبر الذي كان درجتين فقط عندها تحسست كاميرتي، ثم التقطت صورا للشيخ بمجرد اعتلائه المنبر، فإذا بفلاشة الكاميرا تحدث ضوءا كأنه البرق، فنظر إلي الشيخ نظرة زاجرة تنم عن صرامة يتصف بها الرجل وهو الذي كان قبلها يبتسم ابتسامة رقيقة لطفلة محجبة ذهبت للسلام عليه فقبل يدها.. كانت تحضرني كلمات الشيخ التي ما زالت أصداؤها في أذني: (لا ينبغي لأحد أن يجالس مبتدعا، ولا أن يسمع منه، ولا أن ينظر في وجهه، وإن كان سائرا في طريق فعليه أن يسير في طريق آخر.. عليه ألا يقدره، وألا يحترمه وقد أذله الله باتباع غير سنة رسول الله).. كنت حليقا لا يبدو علي الهدي الظاهر، فغشيني القلق..

صلينا مع الشيخ صلاة بأذان واحد وبلا ركعتي سنة لا قبلية ولا بعدية، وفي مسجد بلا قباب ولا محراب، ومنبر لا يتجاوز الدرجتين، ومع حضور تجاوزوا الآلاف لم يكن فيهم حليق سواي.. يقولون إن شعبية هذا الشيخ تأكل ثمار ما زرعه شيوخ السلفية في مصر على مدى سنوات.. ويرفع هذا الشيخ لواء ما يقول إنه جادة السلفية النقية التي هي على منهج وفهم السلف الصالح (فقط لا غيرهم). وشن الشيخ حربا خطابية على كل من فرق الأمة من الجماعات الإسلامية والحزبيين ومنظريهم، وعلى الدعاة الجدد ومحبيهم، وعلى من يحركون الإضرابات والاعتصامات، وعلى سيد قطب، وعلى الإخوان، وعلى قادة السلفية.

الدعوة إلى التوحيد

في سبك الأحد ولد عام 1956 لأسرة ميسورة الحال كانت تتوارث "عمودية" قريتها، فأدخله والده الأزهر الشريف كي يدرس الدين والدنيا معا، فدخل كلية الطب.. وأثناء دراسته تحول مجرى حياته تماما؛ فقد كانت رياح السلفية تهب في أوائل السبعينيات قادمة من خارج الحدود لتعلن بداية ربيع العصر السلفي في مصر.. تأثر الشاب بالمناهج السلفية الآتية من شبه الجزيرة العربية، لكن تأثيره الأشد كان من شيخ السلفية الأكبر ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ومن قبلهما العز بن عبدالسلام، لكن ولع الشيخ الحقيقي كان بابن تيمية، ليس لعلمه فقط لكن لشخصه أيضا..

عاد رسلان بعد حصوله على بكالوريوس الطب من الأزهر الشريف إلى بيته في سبك الأحد الذي لا يخرج منها إلا للضرورة القصوى.. اعتكف على كتبه وزهد في دنياه، ووضح خطه الفكري والمنهجي والعقيدي منذ البداية. لقد أيقن أن محور دعوة النبي صلى الله عليه وسلم هو التوحيد الخالص لله، وأنه ما كان للجماعات الإسلامية أن تترك هذا الأصل إلى ما دونه من الاشتغال في السياسة الشرعية، ومن الأمور التي لو عرضت على عمر بن الخطاب لجمع لها أهل بدر، لقد تركوا الناس يذهبون إلى الموالد الشركية، وذهبوا إلى مهاجمة الحكام.. إنهم يريدون أن يعيدوها جذعة يخرجون على الحكام ثم تقع الفتن كما وقعت قديما ويفرقون الأمة أحزابا وفرقا.

ذهب رسلان لتسجيل رسالة الماجستير في علم الحديث في ضوابط الرواية عند المحدثين وحصل عليها بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، ثم على درجة الدكتوراه في علم الحديث بنفس التقدير في بحث عن الرواة المُبَدَّعون من رجال السنة.. وظل رسلان مرابطا في قريته لا يعرفه إلا بعض طلبة العلم وشيوخ السلفيين في مصر والخارج حتى انتشرت وسائل الاتصال الحديثة التي أخرجته لدائرة الضوء، فانتشرت محاضرات الرجل وخطبه حتى بلغت الآفاق، لكنه مع ذلك رفض الظهورعلى الفضائيات بالرغم من كثرة الضغوط عليه.. ومع أن الجميع يعترف لهذا الشيخ بزهده وورعه وهو الذي يبكي في خطبه كلما حذر الناس من مصائب الفرقة التي حلت على الأمة، إلا أن الشيخ خاض معارك ضد جماعات ورموز كان يرى أنه لا يتتبع عوراتها ولا يغتابها، وإنما هو واجب العلماء في كشف حال المخالفين والمبتدعين، وهو طريق لتطهير المنهج السلفي من الشوائب والدخن.

عدو الاحتجاجات

كلما تنشط المظاهرات والاعتصامات في مصر ينشط هذا الرجل في مكافحتها بعشرات الخطب والمحاضرات والكتابات.. إنهم خوارج العصر.. هكذا يصف كل المحتجين أيا كان سبب احتجاجهم وأغراضهم.. فما الاعتصامات والمظاهرات والعصيان المدني وتحريك الجماهير من أجل إحداث ثورة جماهيرية إلا من عقائد الخوارج شاء الناس أم أبوا ولكن قومي لا يعلمون؛ لأن هذا يخالف أصلا من أصول أهل السنة في معاملة الحكام، ومع ذلك فأثره على الأمة لا يكون ظاهرا؛ لأنه يبدأ بالتدريب لقطاعات من الشعب على الثورة شيئا فشيئا لكي تقع في النهاية ثورة شعبية لن تكون إلا سوداء، ثم يتغلب العلمانيون والشيوعيون والكفار ويضعون يدهم على مقادير المسلمين ومقدراتهم، وينزوي الإسلام في المساجد لا علاقة له بالحياة.. هل تريدون هذا؟ هكذا يتساءل.

ويرى الشيخ أن الثورة قد يريدها جمهرة المثقفين من الكهول، ومن هم على مشارف الشيخوخة فما دون ذلك؛ لأنهم تربوا على أفكار عائدة في نهايتها لأفكار الخوارج، وأما غيرهم من الجماعات الحزبية فإنهم يعبثون بأمن الأمة، ويضيعون مكاسب الإسلام في هذا البلد.. لا ينظرون في العواقب، ولا يتأملون في النتائج، ولا يعتبرون بالتجارب.. يحسبون أنها صيحة يا خيل الله اركبي، يقول قائلهم كذبا وافتئاتا على دين محمد: "إن لم تعتصم فأنت محارب للجهاد في سبيل الله"، أي جهاد وأي سبيل وأي أثارة من علم؟!

ثم يوجه تساؤله للمحركين للاحتجاجات قائلا: هل تدعون إلى الإصلاح بتحريك الشعب من معدته؟ هل هذا مؤسس على الوحي المعصوم أم على الظن الموهوم وعلى الأفكار القادمة منكم ورؤسائكم؟ ليست هذه دعوة محمد صلى الله عليه وسلم، إنها دعوة ماركس، فالناس أيام النبي كانوا يعانون ولا يملكون، لكن النبي لم يقل لهم بعثت من أجل الإصلاح بالمظاهرات، ولم يقل بعثت من أجل "خاطر" الفقير المكسور، وإنما دعاهم إلى عبادة الله وحده، وإلى الإخلاص، يقال له: ما لي إن اتبعتك؟ فيقول: لك الجنة، ولم يجعلها ثورة للأغنياء على الفقراء، ولا للمطالبين بالمساواة في مجتمع طبقي كانت الطبقية صارخة في ظهورها وحدّتها.

ويصرخ الشيخ محذرا: لا يخدعنك ما يحدث في بعض الدول الشيوعية أو بعض الدول الكافرة بما يقال له بالثورة البرتقالية أو الصفراء؛ فهذا التكتيك لن يكون على أجندة المسلمين.

محارب الجماعات



"إن المنوفية سحبت عهد الأمان الذي أعطته لهؤلاء القوم، وستبدأ القذائف الرسلانية التي ستدق حصون الحزبية في الإسكندرية، والتي ستنطلق من المسجد الشرقي".. هذا البيان الذي نشره أنصار الشيخ على إحدى الساحات الحوارية كان بمثابة مسعر حرب بدأت بعده سلسلة من خطب الشيخ ومحاضراته ضد العمل الجماعي التنظيمي استهدف بالأساس مدرسة الدعوة السلفية بالإسكندرية وقادتها.. وكان ما استفز الشيخ خاتمة بحث للشيخ ياسر برهامي بعنوان: "العمل الجماعي بين الإفراط والتفريط" كان نصها هو أن "الجماعات الإسلامية المعاصرة أمل الأمة ونبض حياتها ومادة عزتها بإذن الله، فالقضاء عليها قتل للأمة، ندعو الله ألا يقع أبدا".. عندما كان يقرأ الشيخ هذه الفقرات بدا عليه الاندهاش، ثم صرخ بأعلى صوته: إلى المخدوعين، اتقوا الله في أنفسكم، اتقوا الله في شباب المسلمين، وفي أرض المسلمين، ثم يسأل الحضور منفعلا: هل تحقق بالتوحيد أو اتبع السلف من قال إن الجماعات الإسلامية أمل الأمة؟ هل يعرف من يقول هذا شيئا عن الإخوان والتبليغ والسرورية والقطبية؟

بعد سلسلة محاضرات الشيخ أو (قذائفه) قام بعض رموز سلفية الإسكندرية بالرد عليه، وكان من بينهم محمد إسماعيل المقدم الذي دعا إلى معالجة الأعراض التي تصيب الجماعات والتي تحدث عنها رسلان وليس استئصالها؛ لأن هذه الجماعات فيها خير وفيها شر، فلا يسوغ أن تفك عراها، فمن يعتزل هذه الجماعات فإلى من سيلجأ؟ هل سيجد سفينة أخرى يركب فيها؟ الواقع لا، فسيعود إلى المجتمع وسيذوب في انحرافاته التي يمخر فيها، والسلبيات كانت موجودة حتى في القرون الأولى للإسلام.

لم يصمت رسلان، لكنه قام بالرد على المقدم بخطبة كان عنوانها: (إلى الشيخ المكرم) ادعى فيها أنه لم يرد أحد على محور تساؤله حتى قيل إن فلانا يرد ولا يرد يقولون إن فلانا ينكر العمل الجماعي بإطلاق.. أي شيء هذا؟! أفهكذا نبحث؟! تعالوا إلى الدليل.. وكرر رسلان تساؤله: هل يجوز أن ينتحي مجموعة من المسلمين ناحية، ثم يأتون بأمور من الشريعة المطهرة يقولون هذا هو الدين ويتمحورون حولها، وإليها يدعون، وينتصب على رأسهم رجل متبوع مطاع له سمع وطاعة؟

ثم يشكك رسلان في مدى نزاهة بحث برهامي فيقول: هناك أمور في داخل البحث ينبغي أن يزال الإشكال عنها.. هناك أقوال نسبت لغير قائليها، فما ذاك؟! وهناك سياقات نزعت نسخا وسلخا ونزعا من مواطنها فما ذاك؟! وهناك إضافات أدخلت على أقوال أهل العلم فبفعل من كانت، وبأي غرض كانت، وما الصفة التي توصف بها هذه الفعلة إن كان ذلك كذلك؟! وهناك تنزيل للنصوص على غير منازلها.. هذا التباس لا يمكن أن يقع في ذهن باحث صحيح البحث.

وفي خضم المعركة فاجأ الشيخ المقدم مستمعيه بأن السجال بينهم وبين رسلان قد انتهى، ثم وصف الشيخ بأنه ذو أدب رفيع، وأنه قد اتصل به هاتفيا وعاتبه عتابا ودودا رقيقا وهو معروف بزهده وورعه.. (هذا الثناء عده خصوم الشيخ تهمة توجب إسقاطه فيما بعد).

فتنة الحدادية

هاجم الشيخ كثيرين صوفيين وإخوانا وتبليغيين وسلفيين، وهاجم رموزا كثيرة أمثال حسن البنا وسيد قطب والشعراوي وبرهامي والمقدم، أخرج الجميع من أهل السنة والجماعة وبدعهم.. لكن هذا الشيخ قدر الله له في طريقه من يتتبعه ويرميه بنفس ما رمى به غيره، فقالوا عنه إنه مبتدع يقول بقول الأشاعرة والصوفية، وله علاقة بالحزبيين السكندريين، ويترحم على المبتدعين من أمثال سيد قطب، ويستشهد بأقوالهم في خطبه، بل ويقول عن سيد قطب الشيخ سيد قطب.. ثار الشيخ رسلان؛ فمثله لا يقال له هذا -على حد قوله- وقام بالرد على من هاجمه بغضب، ووصف مهاجميه بأنهم الحدادية المصرية الجديدة، والحدادية وصف يعد تهمة في الأوساط السلفية، وتطلق على السلفيين الذين يتتبعون أخطاء المشايخ حتى يقومون بإسقاطهم وتجريحهم.

ودفع الشيخ عن نفسه اتهام (الحدادية) له بأن له اتصالات بالشيخ المقدم، وقال هذا افتراء وبهتان عظيم، ويتساءل: هل يعمل هذا في جهة رقابية حتى يستطيع الجزم بمثل هذا، ويبلغ الاستفزاز بالشيخ مداه عندما يرد على ابن إبراهيم الذي اتهم رسلان أنه يقول في سيد قطب مثل ما يقول السكندريون من أنه أديب يستفاد منه، لكنه ليس بعالم شرعي، وهذا تطبيق لمنهج الموازنات، فرد الشيخ: أين أنت مما قلناه في سيد قطب، أمثلي يقال له هذا؟

وفي محاولة لدفع تهمة أنه قام بتزكية الشعراوي نشر الشيخ مقطعا صوتيا يسأله فيه سائل عن موقفه من الشعراوي، بدا أنه صوت ابنه عبدالرحمن، فأجاب الشيخ: الشعراوي -غفر الله له- كان صوفيا محترقا، وكانت له في التصوف شطحات عجيبة، وكان دائم التعلق بالأضرحة، ويغشى الموالد، وكان أشعريا جلدا، وقد ذكر العلامة الألباني رحمه الله تعالى ما يتعلق بتأويله للصفات، وكان قد التقاه في بعض سفراته، والشعراوي -غفر الله له- أول من فتق في الأمة فتق التفسير بالعامية، ولم يجرؤ أحد قبله على تناول القرآن بغير الفصحى.

ليست هناك تعليقات:
Write التعليقات

Services

More Services

© 2014 صلاح الدين حسن. Designed by Bloggertheme9 | Distributed By Gooyaabi Templates
Powered by Blogger.