من أنا

صورتي
القاهرة
كاتب صحفي متخصص في الجماعات والحركات الاسلامية في مصر والعالم رقم هاتفي 0020109899843 salaheldeen1979@hotmail.com

Most Popular

الثلاثاء، 14 أكتوبر 2008

المنايفة

المنايفة بقلم نبيل شرف الدين ١٤/ ١٠/ ٢٠٠٨
أقسم بالله العظيم ثلاثاً أنني أدرك جيداً خطأ التعميم، وأعرف أن كل بلد يتسع للصالح والطالح، وأنه لا يصح إطلاق الأحكام علي شعوب بأسرها، لكن لا يمكن أيضاً أن نتجاهل حقيقتين: الأولي أن لكل بلد سماته الخاصة، فأبناء المنوفية يشتهرون بحزمة صفات لا تتطابق مع تلك التي يتسم بها جماعتنا «الصعايدة»، أو أهالي المدن الساحلية أو النوبة، وهكذا.
الحقيقة الثانية، أنه لا يجوز الاستخفاف بالموروث الشعبي والنظر إليه باستعلاء، واعتباره مجرد لغو ونكات، فالأمثال الشعبية ليست مجرد كلمات نرددها لفض المجالس، بل هي خبرات شعوب تراكمت عبر أجيال، ولدينا بالفعل نقص فادح في الدراسات الاجتماعية التي ترصد وتحلل الموروث الشعبي، وتسعي لفهم خلفيات الأمثلة السلبية بحق «المنايفة»، من عينة «المنوفي لا يلوفي ولو أكلته لحم الكتوفي»، ولماذا تري النظرة الشعبية أنه بوسعك أن «تاخد من الكلب صوف، ومتخدش من المنوفي معروف»، وما سر هذه النظرة السلبية، رغم أن خبراتنا الشخصية مع «المنايفة» لا تؤكد صحة هذا المعني علي إطلاقه، بل هو أمر نسبي.
هناك أيضاً مقولة شفاهية شائعة تقول إن «الصعايدة بنوا مصر، والمنايفة حكموها»، والصعايدة في الحقيقة لم يبنوا مصر وحدها، بل بنوا العالم العربي كله، من ليبيا إلي السعودية ودول الخليج وصولاً للعراق، كان البناؤون الصعايدة حاضرين، منذ زمن «القصعة» إلي الحوائط الجاهزة وناطحات السحاب.
أما عن الحكم فهل هي مجرد مصادفة أن يتعاقب علي حكم مصر «منايفة»، بدءاً من أرفع المناصب، وهو الرئاسة، وصولاً لوزراء الداخلية، الذين تعاقب ثلاثة منهم علي شغل هذا المنصب، بالإضافة لوزراء آخرين يصعب حصر عددهم من فرط كثرتهم، فضلاً عن الأعداد الكبيرة من «المنايفة» الذين تعج بهم دواليب كبار الموظفين بالجهاز الإداري للدولة.
وهناك ما يمكن وصفه بالقناعة الشعبية الراسخة لدي ملايين المصريين بأن للمنايفة غراماً خاصاً بالسلطة، خاصة الخدمة بالقوات المسلحة ـ وهذا بالطبع شرفٌ لأي مصري، حسماً للمزايدات المتوقعة من قبل صيادي الماء العكر ـ فالمنايفة بالفعل اشتهروا بذلك، لدرجة دفعت البعض للتندر علي الأمر بمثل ساخر يقول: «إذا ضرب البروجي في تلا يقف أهل منوف تلاتات».
وعلي طريقة «خياركم في الحكومة خياركم في المعارضة»، نجد كمال الشاذلي وأحمد عز وغيرهما، من السياسيين والصحفيين من أبناء المنوفية، وأيضاً تجد في المعارضة إبراهيم عيسي وفهمي هويدي وعدة أسماء بالصف الأول لجماعة الإخوان المسلمين وأحزاب المعارضة، لا يتسع المقام لعرض أسمائهم.
ولعل ظاهرة «المنايفة» لم تكن علي هذا النحو من الوضوح في مصر قبل ١٩٥٢، كما هي الآن، ففي العهد الملكي برز عبدالعزيز باشا فهمي كواحد من أبرز أبناء المنوفية، وهو من «كفر المصيلحة»، مسقط رأس الرئيس مبارك، ولكن بعد حركة الضباط تكاد لا تخلو أي حكومة من الوزراء «المنايفة».
أخيراً، أدرك أن الخوض في «المسألة المنوفية» يشبه السير في حقل ألغام، ويمنح بعض المزايدين فرصة إطلاق اتهامات خرقاء، مثل المساس بالنسيج الاجتماعي، وغيره من «الكليشيهات» الجاهزة التي تعمينا عن محاولة فهم ودراسة مجتمعاتنا، ولعل هذا ما يفسر سبب عدم اقتراب الباحثين من هذه الظاهرة كأحد أشكال «الحذر السياسي»، خاصة أن هناك رئيسين متواليين من المنوفية، ويبدو أن القادم يمت لها بصلة، ومع ذلك فهذا الأمر لا ينبغي أن يكون مبرراً للإحجام عن المعالجة العلمية الرصينة لقضية شائكة كهذه، فلا حياء في العلم،
كما أن الذرائع، كالحفاظ علي الوحدة النفسية للشعب وترابطه الاجتماعي، هي من الهشاشة بحيث لا تستحق عناء المناقشة.. فترابط المصريين لا يحول دون تنوعهم، وعلينا السعي لفهم عميق ومكاشفة صريحة، لسر هذه النظرة الشعبية الخاصة في مصر لـ «المنايفة».

ليست هناك تعليقات:
Write التعليقات

Services

More Services

© 2014 صلاح الدين حسن. Designed by Bloggertheme9 | Distributed By Gooyaabi Templates
Powered by Blogger.