أرشيف المدونة الإلكترونية

من أنا

صورتي
القاهرة
كاتب صحفي متخصص في الجماعات والحركات الاسلامية في مصر والعالم رقم هاتفي 0020109899843 salaheldeen1979@hotmail.com

Most Popular

الأحد، 9 مايو 2010

فى ذكرى استشهاد سيدقطب هل أستطاع حبل المشنقة ان يعدم الفكرة

صلاح الدين حسن
إن كلماتنا تظل عرائس من الشمع حتى إذا متنا في سبيلها دبت فيها الروح وكتبت لها الحياة "...هل قرأ جلاد قطب كلماته هذه ؟ربما .... ولكن الأكيد أنه لم يفرد طياتها لتتكشف له حقيقة الأبعاد .. .إن عرائس قطب المنحوتة بقلمه المبدع وبيانه العذب وأسلوبه الأخاذ قد دبت فيها الروح وكتبت لها الحياة من جديد وخلبت لب الكثيرين فاصبحوا عشاقا لها يخيل إليهم أنها تفتح لهم طاقات من نور تشق ظلمة ليل المجتمعات الجاهلية الكالح وتكسر طغيان العصر المادي الطاغي و المتجبر وتعرى ما يدعى بأنه الحضارة الحديثة ....قطب من الذين يصنعون التاريخ حتى بعد تغييبهم عن الوجود فما زال يطل بمعالمه وظلاله على العالم الإسلامي في أحداثه الكبرى والأساسية ....هل كان يدرك ذلك شانقيه؟... هم أرادوا أن يطفئوه بالموت باعتباره أعلى درجات الرقابة كما يقول برنا رد شو لكن لحظة إعدامه كانت لحظة ميلاده الثاني فلنبدأ بميلاده الأول....في قرية موشى إحدى قرى أسيوط وفى ليلة من ليالي الخريف الهادئة ولد للحاج قطب إبراهيم وزوجته مولود أسمياه سيد كان والداه كريمان ميسورا الحال تبدو عليهم سمات أهل الصعيد التقليدية الوجه الأسمر والقسمات التي تعكس بعض ما جبلت عليه فطرتهم من غيرة على العرض والأرض والطيبة المتأصلة في أعماق نفوسهم والعاطفة الجياشة التي تربطهم بالدين ويبدو أن والدي سيد لم يتركاأثرهما و بصماتهما عليه في شكله ذا السمت الصعيدي المحض بل في تشكيلة وجدانه أيضا ولكن ظل ذلك مختبئا ولم تتضح هذه البصمة ويتجلى هذا الأثر إلا بعد حين ..يقول سيد قطب في مقدمة كتابه التصوير الفني فى القرآن أن روح أمه المتدينة قد طبعته بطابعها وفى مقدمة مشاهد القيامة انه قد تربى في مسارب نفسه الخوف من اليوم الآخر من خلال الكلمات والتصرفات التي كانت تنطلق من والده من خلال ممارسته أعماله اليومية والقيام بضرورياته من طعام وشراب وغيرها ...." وقد قدر لقطب ان يولد لابوين ميسورى الحال فيسر الحال فى بلد مثل مصر وفى صعيدها على الاخص ضرورة ثقافية فلكى تكون مثقفا لابد ان تكون غنيا وهوما دفع بالام الى ارساله الى خاله أحمد حسنين عثمان فى القاهرة لكى يكمل تعليمه على مضض من والده ومع ان سيد لم يكن بكر الاسرة الا ان الام المتنورة رأت فيه علامات نبوغ ومبشرات نجابة فتوقعت له مكانة بين العلماء والادباء فلقد كان قطب قائدا فكريا منذ نعومة أظافره فقد أتم حفظ القرآن فى العاشرة من عمره وتميز فى فن الخطابة وتنوعت قراءاته فأقبل أهالى قريته عليه ومن هنا بدات تتخلق لدى قطب بذرة التكوين الفلسفى التحليلى للمجتمعات وظل الثلاثى" القرية والام والاب" متجذرا فى وجدان قطب يبرز حينا ويخبو حينا ....
انتقل قطب بعد ثورة 19 وهو يحمل معه القرية الى القاهرة التى كانت وقتذاك تمور بثقافات عديدة متنوعة ولكنه كما اصطدم فى قريته بثنائية المدرسة والكتاب اصطدم فى العاصمة بثنائية الازهر والجامعة الحديثة هذه الثنائية التى كانت ترمز الى الصراع المتاجج وقتها بين الثقافة الغربية مقابل الثقافة العربية الاسلامية و كانت مصر ساحة كبرى من ساحات هذا الصراع .....ولكن قطب اختار درب السابقين له من امثال طه حسين والعقاد فاختار التراث العربى الملقح بالاداب الاوروبية ولذا فقد اختار دار العلوم اختار الوسطية بين الازهر وبين الجامعة الحديثة أو بين الحداثة وبين التقليدية ...... وفى اثناء رحلة تعليمه تعرف على العقاد عن طريق خاله احمد حسنين عثمان الذى كان كاتبا صحفيا وكان صديقا للعقاد ومن هنا نشأت العلاقة بينه وبين استاذه العقاد تلك العلاقة التى وصلت الى درجة الولع بالرجل وبفكره وادبه ومن يختار دار العلوم فى ذلك الوقت فلابد ان يختار العقاد بمنهج تفكيره الغربى ووجدانه الشرقى واصبح سيد قطب محسوبا على المدرسة العقادية الليبرالية ومن ثم فقد خاض معارك شرسة مع المدرسة الاسلامية المضادة بقيادة مصطفى صادق الرافعى وكان بين الاتجاهين صراع دام سلاحه القلم وميدانه المجلات الادبية ..حتى قيل انه ذهب فى ليبراليته الى ابعد مدى فدعى الى العرى باعتباره من الحرية الشخصية للانسان ومع ان هذه الواقعة ذكرت فى مرجع الاخوان الرئيسى لتاريخهم " الاخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ " الا ان الكثيرين قد شككوا فيها باعتباره لم يكن يوما من دعاة التحلل والاباحية .... وايا ما كان الامر فقد اتسم قطب بالوضوح والصراحة التى تصل الى درجة الحدة متأثرا فى ذلك بنشأته الصعيدية وطابعه المثالى كشاعر فنان محلق لا يقبل بالامور الوسطية ولا يقبل بالالوان الرمادية فقطب كان واضحا كالسيف ....ومع ان قطب لم ينتهى شاعرا الا انه بدأكذلك فاستغرق فى كتابة الشعر ومع انه فى تقديرى كان شاعرا من الوزن الثقيل اذا قيس بشعراء وقتنا الحاضر الا ان زمانه كان زمان شوقى وحافظ ابراهيم فلم يتمكن من ان يصبح شاعرا عظيما فتحول الى كتابة النثر ولكن شيئا من الشاعر ظل فى أسلوبه حتى فى فكره الاسلامى فحدته ومزاجه الشاعرى الفوار جعلاه مهاجما عنيدا يثير حفيظة خصومه ومقالاته معارك تخلف جرحى وناقمين ولم ينجو من قطب حتى اساتذته العقاد وطه حسين فبادر بمهاجمتهم باعتبار ان هذه القمم لم تعطى الفرص للشباب لكى يستقلوا ...ولم تكن الحياة الثقافية فى مصر فقط ساحة لمعارك قطب بل كانت الحياة السياسية كذلك وبدات معاركه هذه مبكرا فيروى شقيقه محمد قطب " بعدما تولى رئاسة الوزراء محمد محمود زعيم حزب الاحرار الدستوريين توعد الشعب المصرى بأنه سيحكم البلاد بقبضة من حديد فكتب سيد قطب مقالا قال فيه ان يد الباشا الحديدية سيجعلها الشعب تصدأ فلا تستطيع حراكا وكان سن سيد فى هذا الوقت لا يتجاوز العشرين عاما فبعث رئيس الوزراء للجريدة التى نشرت المقال طالبا منها ان ترسل كاتب المقال لمقر رئاسة الوزراء لكى يراه ويحاوره فيما كتب وذهب سيد بالفعل وعندما رآة محمد محمود باشا زهل وقال له . أانت سيد ؟ قال . نعم .. فقال . مستحيل ان تكون انت سيد اننى كنت اتوقع ان كاتب هذا المقال كبير فى السن والجسم ويمتلا قوة وحيوية ثم قال له .. لماذا كتبت هذا عنى فقال له سيد ان الحاكم لا يجوز له ان يضرب شعبه بقبضة من حديد فأعجبته جرأت هذا الشاب وقال له انت حر يا سيد اكتب ما تشاء ... ولم ينج فاروق من نقده اللاذع فكتب سلسلة مقالات تحت عنوان " رعاياك يا مولاى " أظهر صورا من الترف الفاجر الذى حفلت به قصور فاروق وفى المقابل اظهر صور البؤس والفاقه التى يغرق فيهما المجتمع المصرى .... الا ان كتابات قطب السياسية بدأت فى البروز مع النصف الثانى من الاربعينات وبدأت تبرز معها ايضا شاعريته ومثاليته التى كانتا تتدفق منهما الثورة والتمرد وفى عام 1948 وفد سيد قطب الى اميركا فى بعثة امدها سنتان تلك البعثة التى اعزي الكثيرين اليها تحول مسار قطب الفكرى من اقصى اليسار الى اقصى اليمين ولكن ما هو سبب هذه البعثة اصلا؟ ... يقول محمد قطب " اصدر سيد فى هذه الفترة مجلة اسماها الفكر الجديد هاجم فيها الملك هجوما عنيفا على اعتبار ان هناك فساد وعدم وجود عدالة اجتماعية ومهاجما الشيوعيين فى الوقت نفسه فأمر الملك بغلق مجلته و باعتقاله ولكن قدرله الله ان يكون رئيس الوزراء فى ذاك الوقت صديقا لقطب فى الماضى فتحايل على الامر الملكى وادرج اسمه فى كشوف بعثة كانت وافدة الى اميركا ولم يكن قطب سعيدا بها على الاطلاق " .... ولكن هل حقا كانت هذه البعثه سببا فى تحوله الاستراتيجى هذا ؟الرواية الشائعة هى ان قطب بعد ان عبر المحيط الاطلسى على ظهر سفينة مصرية الى نيويورك حدثت معه حادثتان دفعتا به للدخول تحت جناح الدعوة الاسلامية أما الحادثة الاولى فيقول قطب فيها " انه كان مستلقيا فوق سريره فى احدى مستشفيات أميركا فرأى معالم الزينة وانوار الكهرباء الملونه والوان الموسيقى الغربية والرقصات .. ما هذا العيد الذى انتم فيه ؟ فقالوا اليوم قتل عدو النصرانيه فى الشرق اليوم قتل حسن البنا وقد كانت هذه الحادثة كفيلة بأن تهزه من أعماقه .. حسن البنا يحتفل بمقتله فى امريكا ! لماذا ؟....هل دعوة الرجل خطيرة الى هذا الحد ترجف لسماعها اوصال الغرب هلعا واضطرابا ..... واما الحادثة الثانية / فقد حصلت فى بيت مدير المخابرات البريطانى فى امريكا اذ كانت السفارات الغربية تتسابق فى رمى شباكها لاصطياد الطلاب الشرقيين وإيقاعهم بحبائلها ليكرسوا فى محافلها المختلفة ويقسموا العهد على خدمتها واى صيد اثمن من الكاتب المعروف سيد قطب فدعاة مدير المخابرات البريطانى الى بيته ... يقول سيد قطب " واستدعى انتباهى أمران الاول ان هذا البريطانى يسمى ابناءه بأسماء المسلمين محمد وعلى واحمد والثانى وجدت لديه كتابى العدالة الاجتماعية وهو يعمل فى ترجمته وهى النسخة الثانية فى اميركا اذ الاولى لدى وصلتنى من اخى محمد" وبدأ الحديث عن أحوال الشرق وما ينتظره من مستقبل وأحداث ويعرج على مصر ليستفيض فى الحديث عنها وتأخذ جماعة الاخوان المسلمين القسط الوافر من الحديث ويعرض عليه مفصلة عن نشاط الجماعة وعن تحركات البنا وخطبه منذ أن كانت الجماعة فى الاسماعيلية وتفصيلات تؤكد أنهم قد سخروا أجهزة وأموال تتبع نشاط الاخوان وحركاتهم وسكناتهم ورصدوا لذلك أموالا ورجالا خوفا من هذا الغول البشع – الاسلام – وعقب البريطانى قائلا " اذا قدر ونجحت حركة الاخوان فى استلام حكم مصر فلن تتقدم مصر أبدا وسيحولون بعقيلتهم المتخلفة بين الحضارة الغربية وستقف عقليلتهم المتحجرة دون تطور الشعب والارض ونحن نأمل من الشباب المتعلمين أمثالك ألا يمكنوا هؤلاء من الوصول الى سدة الحكم " يقول سيد قطب قلت فى نفسى " الآن حصحص الحق " وأيقنت أن هذه الجماعة على الحق المبين ولم يبقى لى عذر عند الله إن لم اتبعها فهذه امريكا ترقص على جمجمة البنا وهذه بريطانيا تسخر أجهزتها واقلام مخابراتها – حتى داخل اميركا – لمحاربة الاخوان " يقول سيد " فصممت فى قرارة نفسى ان ادخل الاخوان وانا لم أخرج بعد من بيت مدير المخابرات البريطانى " ولكن هل يا ترى كان ذلك كافيا للتحول الفكري الاستراتيجى لقطب البعض لا يرى ذلك يقول روبرت أرون " أشك كثيرا في الرأي القائل أن زيارة سيد قطب إلى الولايات المتحدة في الأربعينات ما جعلته يقفز فجأة إلى الإسلام السياسي، كثيرا ما يقال أنه حل بأميركا ونظر حوله فرأى النساء شبه العاريات ورأى دور القمار والكنائس المتحررة التي لا تزيد في نظرة عن المواخير إلا قليلا وأنه تقزز مما رآه وتحول إلى الإسلام لا أعتقد هذا يبدو لي أنه قرر أن يلتزم إسلاميا بالكامل وهو بعد في الداخل وصل إلى أميركا وبرنامجه الإسلامي في ذهنه وهو مستعد لرفض كل ما سيرى أما لماذا تحول من ابن الحداثة ابن المدينة الكاتب صاحب الأعمدة في الصحف إلى مسلم متشدد بمجرد ركوب باخرة فهذا لغز محير." لغزا محيرا بالنسبة لروبرت أرون لكن يبدوا انه لم يكن محيرا لقطب نفسه يتضح ذلك من رسالته لصديقه توفيق الحكيم " صديقى الكبير الاستاذ توفيق الحكيم شكرا لك على هديتك الكريمة كتابك الجديد " الملك أوديب " إنها شىء عزيز ثمين بالقياس الى هنافى تلك الورشة الضخمة السخيفة التى يسمونها العالم الجديد إن شيئا واحدا ينقص هؤلاء الامريكيين على حين تفخر اميركا بكل شىء شىء واحد لا قيمةله عندهم الروح بحثا يقدم للدكتوراه فى إحدى جامعاتهم وقد قدم فعلا عن افضل الطرق لغسل الاطباق أحب اليهم الف مرة واهم من رسالةعن الانجيل إن لم يكن اهم من ذات الانجيل " ...طغت الروح على المادة عند قطب وبدات بذرة التكوين الفلسفى التحليلى للمجتمعات تنمو وبدا الثلاثى الكامن " القرية الاب الام " ينشط فرأى المجتمع الامريكى الموفور بالصحة والعافية مريضا وتنبأ لكلا من القوتين العظميين فى ذلك الوقت بانهيار يكون سببه الفوضى ولم يرى بين الاتحاد السوفيتى بكتلتة الشرقية والولايات المتحدة بكتلتها الغربية فرقا بنيويا فكلاهما مشروعين ماديين قطعا صلاتهما بالخالق .... ولم يكن تحول قطب تحولا سريعا مفاجئا كما يرى البعض ولكن كان لهذا التحول ارهاصات سبقته قبل سفره الى اميركا فقطب كان ناقدا ادبيا الف كتابا يراه البعض من أهم ما كتب فى النقد الادبى وهو كتاب " اصول النقد الادبى " وفى تلك الفترة شغلته قضية اللفظ والمعنى وهى القضية التى حسمها فحول الادباء العرب بأن العبرة باللفظ واما المعانى فهى ملقاة على قارعة الطريق فالبراعة هى باختيار الالفاظ اما المعانى فهى شائعة عند الكثير اما سيد فتمرد على قاعدتهم وتوصل الى ان المعنى يتأثر باختيار اللفظ وأن اللفظ ليس مجرد كساء خارجيا للمعنى بل اللفظ والمعنى لحمة والعلاقة بينهما علاقة عضوية ولكى يدلل على صحة رايه تعمق فى داخله فوجد ان تلك النظرية خرجت من اعماق ذاكرته ووجدانه المطموران فى غمرة الاحداث تلك الذاكرة التى حفظت القرآن منذ ان كانت نقية فطرية وتسرب من تلك الذاكرة فيوضات ترسبت فى أعماق وجدانه فتذكر الآيتين الكريمتين " وترى الارض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت " " وترى الارض خاشعة فإذا انزلنا عليها الماء أهتزت وربت "
هامدة وخاشعة؟ ... المعنى واحد ... إذن ما الفرق ؟ الصورة إذن التى تمثلت فى الحس اختلفت باختلاف هذين اللفظين .... تغيير اللفظ يغير الصورة فى الذهن وان كانت المعانى تبقى كما هى تلك هى نظرية قطب التى الف فيها كتابين التصوير الفنى فى القرآن ومشاهد القيامة فى القرآن ....الكتابان اللذان لم يبدأهما قطب بالبسملة فقد كان الطور الفكرى الاخير لقطب لم يأتى أوانه بعد .... ولكن قطب كان قد فتح القرآن الذى كان قد هجره منذ زمن بعيد وانشغل فى السياسة الحزبية من خلال انتمائه لحزب الوفد وعندما فتح القرآن ليبارى به الادباء وقع فى حبه وأسره فاكتشف فيه ما لم يكن يتوقعه وهو العدالة الاجتماعية وفى هذه الفترة كان النشاط الشيوعى فى مصر فى اوجه فكتب قطب عدة مقالات هاجم فيها الفساد وقال ان الوحيد القادر على القضاء عليه فى مصر هو تطبيق الاسلام الذى يمكنه القضاء على الفساد ويحقق العدالة الاجتماعية ولكن صحيفته أغلقت من جراء مقالاته النارية ونقده اللاذع الحاد للملك وفى ائناء بعثته أوكل لاخيه محمد بتجميع مقالاته فى كتاب وأن يصدره تحت عنوان العدالة الاجتماعية فى الاسلام الذى صدر فى عام 1949 مصدرا بإهداء هذه الجملة " الى الفتية الذين ألمحهم فى خيالى قادمين يردون هذا الدين جديدا كما بدأ يجاهدون فى سبيل الله لا يخافون لومة لائم ......" أعتقد الاخوان أنهم المعنيون بهذا الاهداء فاستقبلته الاوساط الاسلامية بالحفاوة والترحيب باعتباره أول مولود لسيد قطب فى عهده الجديد واستبشروا بأن التيار الاسلامى قد كسب كاتباله وزنه الادبى وقلمه البليغ فهو يعتبر إضافة لها قيمتها الى هذ التيار تعوض الخسارة التى لحقت به بانضمام خالد محمد خالد الى التيار العلمانى واعتبروا أن عدالة الاقدار عوضت عن خالد بسيد وعن كتاب من هنا نبدأ بكتاب العدالة الاجتماعية فى الاسلام ...واعتبروا تحول سيد قطب درسا جديدا فى فقه الدعوة لقنهم اياه حسن البنا حتى بعد ان مات فقد توقع البنا مستقبلا فى الدعوة الاسلامية لسيد قطب بعد ان كتب مقالتة فى الاهرام ودعى الى العرى والتأسى بالغرب عندها حاول بعض الاخوان مهاجمته الا أن البنا قال " لعله يفيق من غفلته ويجىء الى الصواب وسيكون ممن تنتفع الدعوة بهم فى يوم من الايام " .... وفى اوائل عام 1951 عاد قطب الى القاهرة وهو عازم على أن يفى بالوعد الذى قطعه على نفسه وهو الانتماء للاخوان ويبدو انه أخذ بالحكمة القائلة لأن تكون فردا فى جماعة الاسود خير من تكون زعيما على قطيع من الغنم فقطب عاد الى القاهرة ليجد أن الاخوان المسلمين المنظمة السياسية التى يميل اليها ويساهم فى صياغة فكرها وإن لم ينتمى إليها فالجماعة صارت قوة سياسية لها شأن بعد انقسام شعبية الوفد وفى هذه الاثناء كان ثمة طرف خفى يخطط للانقضاض على الحكم ذلك اللاعب الجديد هو الجيش الذى تطلع الى تفعيل دوره السياسى المغيب منذ فشل ثورة عرابى وبعد حريق القاهرة طرق الجيش الحديد وهو ساخن فكانت ثورة 23 يوليو التى كان للاخوان فيها باعتراف الجميع دورا هاما وكان من بين الضباط الثوار الكثيرين ممن أقسموا على المصحف والمسدس وهو طقس الانتماء للاخوان فى هذه المرحلة وبعد ليلة الثورة قضى الاخوان والثوار شهر العسل الذى كان يخيم عليه أجواء من الضبابية المحملة بنذر شر تلوح فى الافق القريب ... وكان قائد هذه المرحلة جمال عبدالناصر وان جعل من محمد نجيب ستارلمرحلة مؤقتة وبدأت الثوار يتقربون من قطب ولكن قطب كان فيه شىء يكره السلطة ولكنه بالفعل وجد نفسه مقرب منها بشكل لم يعهده فى حياته وكان قربا ينفر منه بفطرته لم يكن النظام الجديد قد تبلور بعد وكان الضباط الحاكمين يبحثون عن بؤرة فكرية فيها نفس الثورة والرؤية الاصلاحية لصياغة يوتوبيا كان سيد قطب صاحب يوتوبيا فاختاره الضباط مستشارا لمجلس قيادة اثورة لكنه لم يمضى فى المنصب سوى بضعة أشهر راح ينأى بنفسه عن الثوار انسجاما مع طبعه النافر من السلطة وانضم رسميا للاخوان المسلمين بعد الشروخ التى اصابت جدار العلاقة بين الثوار والاخوان فلم يقف فى صف السلطة وانما فى صف المعارضة كشاعر رافض متمرد وفى خريف 54 بلغ الصراع زروته بعدأن انطلقت رصاصات محمود عبداللطيف عضو التنظيم الخاص باتجاه الزعيم فى ميدان المنشية فى الاسكندرية واتهم على اثرها سيد قطب فى الضلوع فى المحاولة على حياة الزعيم وحكم عليه بالسجن مدى الحياة ولكن قطب وصف الذى حدث بأنها مؤامرة وان لم يصفها بالتمثيلية مثل الاخوان نشطت عند قطب نظرية المؤامرة فقد تداعى الى ذاكرته مشهد الفرح الصاخب والرقصات الغربية الهيستيرية على جماجم البنا وما زالت أصوات السفير البريطانى فى اميركا تطن فى أذنه " اذا قدر ونجحت حركة الاخوان فى استلام حكم مصر فلن تتقدم مصر أبدا وسيحولون بعقيلتهم المتخلفة بين الحضارة الغربية وستقف عقليلتهم المتحجرة دون تطور الشعب والارض ونحن نأمل من الشباب المتعلمين أمثالك ألا يمكنوا هؤلاء من الوصول الى سدة الحكم " قطب نفسه كتب عن حادث المنشية فى إعترافاته التى أدلى بها للمحققين والتى نسبت اليه وتم نشرها تحت عنوان " لماذا أعدمونى "إن المسألة أكبر بكثير مما يبسطها الذين ينظرون لما حدث على انه مجرد تطور، أنها تتعلق بالمخططات الصهيونية والصليبية الاستعمارية في تدمير المقومات الأساسية للعناصر البشرية في المنطقة بحيث تصبح هذه الملايين حطاماً منهاراً لا يملك المقاومة حتى لو وضعت في يده أقوى الأسلحة. فالرجال هم الذين يحركون الأسلحة وليست الأسلحة هي التي تحرك الرجال. والمجتمعات حين تنهار عقيدياً وخلقياً تصبح الملايين فيها غثاء لا يقف في وجه التيار.ويستطيع الإنسان أن يلحظ بسهولة علاقة هذا الانحدار بتدمير حركة الإخوان المسلمين ومنع نشاطها، كما يستطيع أن يربط بين هذا التدمير وبين الخطط الصهيونية والصليبية الاستعمارية بخصوص هذه الجماعة وبخصوص المنطقة بجملتها.هذه هي رؤيتي للموقف التي انطلق منها التصميم على ضرورة العمل لحركة إسلامية امتداداً لحركة الإخوان المسلمين المصادرة الموقوفة. مع الانتفاع بالتجربة وبالتجارب التي سبقتها". .... وفى السجن قضى قطب عشر سنوات سامه زبانيته سوء العذاب فىالبداية فقط فسوء حالته الصحية حالت بينهم وبين تعذيبه فقد كان مريضا بالدرن وبالقلب وبعدة أمراض أخرى فقضى معظم وقته فى المستشفى ولكنه فى النهاية ظل سجينا والكتابة فى السجن تشحذ الذهن وتشخص الخصوم والاصدقاء فقطب كان قد وهب حياته لله فلمؤمن يجب ان تبقى حياته ونسكه ومحياه ومماته لله رب العالمين ومع ان قطب انقطع عن الناس الا أنه كان يعيش وسط زحام كبير من الافكار ومن التفسيرات فالإنقطاع كانت كلمة السر فى حياة قطب ..... قطب رأى بيعينه التعذيب الشديد الذى طال المعتقلين من الاخوان الذين كانوا يترددون عليه فى مستشفى سجن مصر فساهم ذلك فى سرعة بلورة الفكرة التى ساهمت فى تشكيل كثير من الاحداث ولكن الواقعة الاهم التى كتب عليه أن يشهدها وجعلته ربما يحزم فكره ويحسم امره هى تلك المذبحة الرهيبة مذبحة طرة 1957 التى رأى منها أيضا مؤامرة...خرج قطب من السجن عام 1964 بوساطة من عبدالسلام عارف حاكم العراق فى ذاك الوقت فبعد ان افرج عبدالناصر عن الشيوعيين بعد زيارة خوروشوف رأى عارف انه ليس اقل شأن من زعيم الاتحاد السوفيتى ولكن قطب لم يخرج هكذا من معتقله خالى الوفاض بل خرج معه أخطر كتاب فى العصر الحديث هو كتاب معالم فى الطريق .... الذى يراه الكثيرين وخاصة من جماعة الاخوان المسلمين كتابا عاديا ليس به شيئا خطرا يقول محمود جامع فى كتابه عرفت الاخوان " لم يصدر سيد قطب أحكاما على الناس ولم يقل بتكفير الناس ويؤكد على ذلك بقوله " ان مهمتنا ليست إصدار الاحكام على الناس ولكن مهمتنا تعريفهم بحقيقة لا اله الا الله لان الناس لا يعرفون مقتضاها الحقيقى وهوالتحاكم الى شريعة الله " عقيدة سيد قطب عقيدة السلف الصالح وفكره فكر سلفى خال من الشوائب وتركز حول موضوع التوحيد الخالص وبيان المغنى الحقيقى ل لا اله الا الله وبيان المواصفات الحقيقية للايمان كما وردت فى الكتاب والسنة " سيد قطب ينفى عن نفسه تكفير الناس فى " لماذا أعدمونى " فيقول " اننا لم نكفر الناس وهذا نقل مشوه انما نحن نقول انهم صاروا من ناحية الجهل بحقيقة العقيدة وعدم تصور مدلولها الصحيح والبعد عن الحياة الاسلامية الى حال تشبه حال المجتمعات فى الجاهلية وانه من اجل هذا لا تكون نقطة البدء فى الحركة هى قضية إقامة النظام الاسلامى ولكن تكون إعادة زرع العقيدة والتربية الاخلاقية الاسلامية فالمسألة تتعلق بمنهج الحركة أكثر مما تتعلق بالحكم على الناس " وفيما يتعلق بقية الحاكمية يقول فى المعالم " ومملكة الله فى الارض لا تقوم بأن يتولى الحاكمية فى الارض رجال بأعيانهم – هم رجال دين – كما كان الأمر فى الكنيسة ولا رجال ينطقون باسم الله كما كان الحال فيما يعرف بالثيوقراطية أو الحكم الإلهى المقدس ولكنها تقوم بأن تكون شريعة الله هى الحاكمة وأن يكون مرد الامر الى الله وفق ما قرره من شريعة مبينة " ......الدكتور القرضاوى يقول " الحاكمية التى قال بها المودودى وسيد قطب لا تعنى ان الله هو الذى يولى العلماء والامراء يحكمون باسمه بل المقصود بها الحاكمية التشريعية فحسب أما سند السلطة السياسية فمرجعه الى الامة هى التى تختار حكامها وهى التى تحاسبهم وتراقبعم بل وتعزلهم والتفريق بين الامرين مهم والخلط بينهما موهم ومضلل ... فالحاكمية بهذا المعنى تمنع ان يكون للبشر استقلال بالتشريع غير مأذون به من الله وذلك مثل التشريع الدينى المحض كالتشريع فى أمر العبادات والتشريع الذى يحل ما حرم الله ويحرم ما أحل الله ويسقط ما فرض الله أما التشريع فيما لانص فيه أو فى المصالح المرسلة وفيما للاجتهاد فيه نصيب فهذا من حق المسلمين ولهذا كانت نصوص الدين فى الغالب كلية إجمالية لا تفصيلية ليتاح للناس أن يشرعوا لانفسهم ويملأوا الفراغ التشريعى بما يناسبهم " ......إذا كان الامر كذلك فما الذى دفع قطب على التآمر على عبدالناصر فيما عرف بقضية تنظيم 65 ففى يوليو من هذا العام فوجأ الشعب بالاعلان عير وسائل الاعلام الرسمية أنه على الرغم من انه أفرج عن سيد قطب بعفو صحى وعلى الرغم من هذه اليد البيضاء التى امتدت لسيد قطب والى محمد يوسف هواش فإنهما بدافع الحقد الاسود استمروا فى مباشرة نشاطهم ضد أمن الدولة وسلامتها فعقب الافراج عن سيد قطب التقى به قادة التنظيم وهم عبدالفتاح اسماعيل وعلى عشماوى وأحمد عبدالمجيد عبدالسميع وصبرى عرفه ومجدى عبدالعزيز واستقر رأيهم على أن يرأس قطب التنظيم وفى مايو 65 أعد التنظيم عدته وقرر القيام بمقاومة السلطات والعمل على تغيير النظام بالقوة وفى يوليو أصدر قطب أوامره باغتيال الزعيم وتخريب بعض المنشآت العامة .....وفى يوم 21/8/ 1965 حكمت المحكمة العسمرية برئاسة محمد فؤاد الدجوى على المتهم سيد قطب إبراهيم السن ستين سنة المهنة كاتب والمقيم برقم 44 بشارع حيدر بحلوان بالآتى : أولا : الاعدام شنقا ......... ولكن يبدو أن جلاد قطب كان يستشعر أن مقتله سيجعل منه بطلا فأراد ان يقتله فكريا ومعنويا فتروى حميدة قطب " دعانى حمزة البسيونى " مدير السجن الحربى " واطلعنى على مصادقة عبدالناصر على حكم قرار الاعدام فارتعشت اوصالى لأنى كنت احب سيد حبا يملك على نفسى ثم قال حمزة : أمامنا فرصة أخيرة لانقاذ هذا العلامة لأن إعدامه خسارة كبرى للعالم الاسلامى فإذا إعتذر فإننا نخفف حكم الاعدام الى السجن ثم نفرج عنه بعفو صحى فاذهبى اليه لعله يعتذر فذهبت له وقالت : مطلوب منى أن أبلغك بأنك إذا اعتذرت لجمال عبدالناصر فسيعفو عنك وسيسقط القضية فقال : لو كنت مخطئا لاعتذرت ولكنى ادعو للا اله الا الله ولم ارتكب خطأ فى دعوتى للا اله الا الله واليمين التى تشهد أنه لا اله الا الله لا تخط هذا الجور وهوأن تعتذر عن لا اله الا الله أطمئنى يا حميدة إن كان العمر قد انتهى سينفذ حكم الاعدام ولن يغنى الاعتذار شيئا فى تقديم الاجل أو تأخيره " ....وفى ليلة الاثنين التاسع والعشرين من أغسطس اقتيد الاديب المفكر الى حجرة الموت كان طويلا شاحبا مريضا يتساند على جلاديه قلم تشفع له شيخوخته ولا علمه وأدبه ولا مرضه ولا حتى من دعوته التى رفعها الى السماء " اللهم واجعل دمى لعنت عليهم " فتهاوى جسده النحيل تحت عود المشنقة تاركا خلفه وصيته لاتباعه فى قصيدته السدود "أخى إن ذرفت على الدموع وبللت قبرى بها فى خشوع فأوقد لهم من رفاتى الشموع وسيروا بها نحو مجد تليد."....

ليست هناك تعليقات:
Write التعليقات

Services

More Services

© 2014 صلاح الدين حسن. Designed by Bloggertheme9 | Distributed By Gooyaabi Templates
Powered by Blogger.