أرشيف المدونة الإلكترونية

من أنا

صورتي
القاهرة
كاتب صحفي متخصص في الجماعات والحركات الاسلامية في مصر والعالم رقم هاتفي 0020109899843 salaheldeen1979@hotmail.com

Most Popular

الأحد، 9 مايو 2010

صراع على الشرعية ...الإخوان المسلمون ومبارك

صلاح الدين حسن
في عام 1995 شن النظام المصري حملة اعتقلات واسعة في صفوف جماعة الإخوان المسلمين فاعتقل أكثر من 90 عضوا إخوانيا وحولهم إلى محاكم عسكرية ومن وقتها إلى الآن لم تتوقف الهجمات على الجماعة ولم تتوقف المحاكمات العسكرية ...لكن ماالذي كسر فترة الهدوء والتهادن الذي استمر 14 عاما بين النظام المصري وبين الجماعة منذ تولي مبارك الحكم 1981 حتى العام 1995 .. إنه (الصراع على الشرعية) ..هذه هي فكرة الكتاب الذي بين يدي الآن " صراع على الشرعية الإخوان المسلمون ومبارك " وهو رسالة دكتوراه للباحث الكويتي هشام العوضي الذي اختار في دراسته بدلا من أن تعدد وتناقش قائمة من اسباب داخلية وإقليمية ودولية اختار أن يركز على سبب اعتبره جوهريا في تفسير التحول من التهادن الى التصادم وهو أن جوهر الصراع بين الإخوان والنظام المصري سعي كل منهما إلى تكريس شرعيته بأنماط وأشكال الشرعية المختلفة -شرعية الوجود السياسي والقانوني والمجتمعي فالدراسة ركزت في تفسير العلاقة بين مبارك والإخوان المسلمين وأثر هذا الحجب في تفسير سلوك وتطور الجماعة الإجتماعي والسياسي فمعظم الدراسات التي تناولت العلاقة بين الطرفين ركزت غالبا على الطبيعة السلطوية للنظام المصري وربما على الآداء الإجتماعي للإخوان في النقابات لتفسير التغير في موقف مبارك ولكن معظم الدراسات قلما تركز على موضوع الشرعية في تفسير الصراع بين الحركة والنظام فلا يمكن تحليل آداء الإخوان في المجتمع المصري وفهم تسييس هذا الآداء في مابعد من دون أن نؤكد أن عملية التسييس تمت في سياق كون الجماعة لا تحظى باعتراف الدولة وتهدف إلى إثبات وجودها ومن هنا لا يصبح لتفاعل الإخوان وحركتهم في المجتمع في عين النظام أجندة لا يقبلها )
وتنقسم الدراسة إلى مرحلتين : مرحلة الثمانينيات ومرحلة التسعينيات إلى 2007 وملخص المرحلة الأولى أن العلاقة بين النظام والإخوان اتسمت مجملا بالهدوء والتسامح لأن مبررات التوتر والصراع لم تكن موجودة بعد ولأن الاثنين كانا يحتاجان أحدهما إلى الآخر كل لأسبابه وكل لتعزيز شرعيته ولم يكونا في وضع سياسي ولا أمني ولا تنظيمي يسمح لهما بالصراع المرهق والمستنفد للطاقة والموارد
وملخص المرحلة الثانية مرحلة التسعينيات وإلى الآن أن العلاقة بين النظام والإخوان اتسمت بالتوتر لأن الجماعة رغم كونها محجوبة عن الشرعية القانونية والرسمية استطاعت أت تحقق نمطا آخر من أنماط الشرعية اسميتها " الشرعية المجتمعية " أو " شرعية الإنجاز "
وفي هذه المرحلة المبكرة يمكن أن يقال إن مبارك تسامح مع الإخوان في مستهل الثمانينيات في إطار سعيه إلى تعزيز شرعيته السياسية باعتباره حاكما وصل لتوه إلى السلطة في العام 1981 وقمعهم في التسعينات لأن تراكم نفوذ الجماعة بدأ يهدد شرعية النظام وتهديد الإخوان لشرعية النظام لم يكن يستند إلى إنجازاتهم على مستوى النقابات وبقية الأنشطة الألهية وإنما استند إلى تسييس هذه الإنجازات وتداعيات ذلك على استقرار النظام فقد شعر مبارك بالتهديد من أنه على الرغم من إنكار الدولة لحركة الإخوان فإن الحركة استطاعت كسر طوق حجبها عن الشرعية القانونية وبحثت عن شرعية بديلة مستمدة من المجتمع وليس من الدولة واستطاعت بفضل تركيبة تنظيمية محكمة أن توظف هذه الشرعية لتعبئة الشارع والنخبة للضغط على النظام باتجاه الإعتراف بالحركة وليس المراد من تعبئة الإخوان للشارع هي " قلب نظام الحكم " كما يتهم النظام وإنما إرغام الدولة على الإعتراف بهم وهو ماتراه الدولة محاولة ملتوية لأبتزاز وجرها إلى فعل ما تريده تحت ضغط الأمر الواقع .


شرعية مبارك
الشرعية مهمة للنظام المصري وبما أننا نبحث علاقة مبارك والإخوان المسلمين ونتخذ من الشرعية مدخلا في تحليل هذه العلاقة فمن المهم أن نناقش موضوع الشرعية في نظر الإسلاميين عموما والإخوان بعد ذلك وأنا في المناقشة أريد أن أجيب عن سؤالين وهما : كيف يدرك الإسلاميون شرعية الأنظمة العربية وكيف يتصورون شرعيتهم أنفسهم كتيار .
أما آراء الإخوان المسلمين في الشرعية في الخمسينات والستينات من القرن الماضي فتميزت هي الأخرى بالغموض والإرتباك خاصة مع صدامهم مع عبدالناصر ونشر مؤلفات سيد قطب .. أما نظرة الإخوان إلى مستويات الشرعية الخاصة بالنظام في عهد مبارك فقد اتسمت بالتعقيد فالإخوان لم يعبروا عن رأي واضح في شرعية مبارك لأن قيادة الجماعة كانت في السجن لما تولى مبارك السلطة ولكن يمكن القول أن الإخوان اعترفوا بشرعية مبارك كرئيس عندما صوتوا في البرلمان سنة 1987 للتمديد له لفترة ولاية ثانية .ولكن الحركة عادت وصوتت ضد منحه فترة ولاية ثالثة وبررت موقفها وقتئد بأن تصويتها لا يعني أنها تعارض شرعيته كرئيس وإنما تعارض سياساته وكانت الحركة حريصة على التمييز بين شرعية الرئيس وشرعية سياساته خاصة وهي تدرك أنها تعمل في ظروف سلطوية وبالتالي ليست مهيأة للدخول في مواجهة مكشوفة مع النظام في مسائل يبدو أنها حسمت سلفا ويبدو أن الإخوان تجنبوا أو تجاوزوا مناقشة قضية شرعية شخص مبارك لأن شرعية رئاسة مبارك على حد قول عضو الإخوان البارز عصام العريان " أمر واقع " وإدراك العريان لشرعية النظام ورئيسه ليس فريدا وإنما يعكس الفهم التقليدي للعلماء السنة الذين يعترفون بشرعية الحاكم حتى وإن كان مستبدا شريطة محافظته على المستلزمات الدنيا للأحكام الإسلامية أو إذا لم يحافظ عليها وكان عزله محفوفا بالمخاطر ومغامرة دموية والقبول على مضض بقيادة حاكم إذا كانت تصب في مصلحة المجتمع يؤكدها مرشد الحركة الراحل مأمون الهضيبي في سياق مناقشته لشرعية مبارك " من حيث المبدأ تنبع الشرعية الحقيقية من خيار الشعب بالنسبة إلى المسلمين هم يختارون شخصا يحكمهم بموجب تعاليم القرآن والسنة وهذا هو الخليفة الوحيد الذي يعتبر شرعيا في الإسلام وفي ماعدا ذلك يكون خليفة بحكم الأمر الواقع والإمام بحكم الضرورة وعندما يصبح الأخير حقيقة واقعة وشخصا لا يمكنك عزله يتعين عليك أن تطيع هذا الإمام وإلا فإن عاقبة المقاومة المسلحة ستكون الفوضى الاجتماعية وهذه حالة رئيسنا مبارك فهو يسيطر على 90 بالمئة من قوى السلطة بم في ذلك الجيش وقوات الشرطة "
شرعية الإخوان
أجادل على مدى صفحات هذا الكتاب بأن هذا الحجب عن المشروعية أثر بدرجة كبيرة في طبيعة تطور الحركة وفي كيفية صيغة هذا التطور لعلاقاتها مع الدولة ومع المجتمع ويعود جزء من قدرة الحركة على البقاء في ظل ظروف إنكار الدولة لها إلى مهاراتها في توسيع التنظيم وإلى تشكيلها تحالفات جديدة إلى تبنيه أفكار ومواقف حيال قضايا مثل الديمقراطية والتعددية الحزبية وحقوق المرأة وإن قدرة الحركة على االتكيف مع التغيير وعلى التصدي للهموم الإجتماعية والدينية لأتباعها جعلها قوة فاعلها وبخاصة بين أوساط الشباب والطبقة الحضرية المتوسطة .
وقد سعى مؤلفون آخرون إلى مقارنة شرعية الإسلاميين بشرعية الدولة في البلدان العربية المختلفة وركزت بعض هذه الدراسات والحجة الأساسية في هذه الدراسات هي أن الإسلاميين برزوا كحركة اجتماعية تحتج على الفشل الكلي لمشروع التحديث الاجتماعي والاقتصادي والثقافي الذي ناصرته ذات يوم الدول الوطنية العلمانية في حقبة ما بعد الاستثمار وفي هذا السياق من فشل الدولة يبدأ الإسلاميون من خلال مواردهم المحدودة وفضاءاتهم المحدودة مثل المساجد والأحياء والعبادات والمدارس الخيرية بتوفير ملاذ وبديل ليس على صعيد القيم الأخلاقية وحسب وإنما على صعيد تلبية الحاجات المادية كذلك ويبدأون بالتدريج في اكتساب درجة معينة من الشرعية الاجتماعية القائمة على الانجاز .
ويختلف جوهر إنجازات الإسلاميين في الجزائر ولبنان ومضمونها عن جوهر ومضمون إنجازات الإخوان المسلمين في مصر ويرجع هذا الاختلاف إلى أن كلتا الجماعات الإسلامية في الجزائر ولبنان تحظى باعتراف الدولة التي تنشط وتتمتع فيها بشكل من أشكال الشرعية في حين أن حركة الإخوان في مصر محظورة قانونا من قبل الدولة وهذا التميز ليس شكليا وإنما هو عنصر مهم لأنه يفرض برنامج عمل مختلفا على الإخوان باعتبار أن في مصر آليات وبرنامج عمل مختلف فبسبب غياب الشرعية القانونية للإخوان فإن الشرعية التي يكتسبونها من المجتمع ( شرعية الإنجاز ) توظف في النهاية توظيفا سياسيا من أجل تأمين إعتراف الدولة وهو ما يخلق حالة من التوتر بين الحركة والنظام تسفر في النهاية عن قمع الجماعة بمبررات غير موجودة في حالة الجزائر ولبنان ( إنها حركة غير شرعية )
شرعية الإنجاز
بينت في هذا الفصل كيف أن إنتخابات العام 1984 حولت الشرعية القانونية إلى " شكل مهيمن " من أشكال الشرعية لكل من مبارك والإخوان المسلمين وبالنسبة إلى مبارك تجلى ذلك في خطابه السياسي الذي ركز على التعددية الحزبية التي يحكمها القانون وعلى الإلتزام بإرادة الشعب وربما حملة مبارك السياسية نجاحا في أوساط النخب السياسية ولكنها حتما فشلت على صعيد المجتمع ككل فقد افتقد الرئيس الرؤية وبدا نظامه عاجزا عن معالجة القضايا الأكثر أهمية وهموم المجتمع وكان نتيجة ذلك عدد متزايد من القلاقل الإجتماعية والدينية كان من تداعيتها تنامي دور الأجهزة الأمنية وهذا التناقض بين سعي النظام إلى الشرعية من خلال الإصلاح السياسي واعتماده على الإكراه من خلال قوات الأمن للتغلب على المعارضة زاد من حدة مشكلاته .
وبالنسبة إلى الإخوان يمكن النظر إلى سعيهم إلى إمتلاك الشرعية القانونية في سياق رغبتهم في تأمين اعتراف الدولة بهم وبحصر دورهم في كونهم حزبا سياسيا وفي هذا الأثناء وافق الإخوان بغرض المشاركة في العملية السياسية على تشكيل تحالف مع حزب الوفد العلماني وهو ما أظهر مدى استعداد الحركة إلى للمضي في تطبيع علاقاتها مع الدولة ومع المجتمع ولكن في ما كانت هذه الأحداث تجري في الميدان السياسي كان الإخوان يفتحون آفاقا في الوقت نفسه في الإتحادات الطلابية وفي النقابات المهنية حيث الشرعية في هذه الفضاءات لا تعتمد على اعتراف الدولة وإنما على إعتراف المجتمع وأضحى توفير الخدمات بمثل أهمية استخدام الخطاب السياسي والرموز الدينية إذا لم يفقها أهمية لكسب شعبية شرائح الطلبة والمهنيين واستخدام الخطاب السياسي في الميدان السياسي وفي أثناء الحملات الإنتخابية في حين جرى الترويج للخطاب الديني أساسا داخل المساجد والأحياء بهدف ضم أعضاء جدد .
وقام الإخوان في كافة هذه الحالات بتمويل نشاطاتهم وزيادة حجم تأثيرهم من خلال مواردهم المالية الآخذة في التوسع كما هو ملاحظ في النمو التدريجي لشركات التوظيف الإسلامية والمشاريع الخاصة في منتصف الثمانينيات ومن ناحية أخرى تسامح مبارك مع الدورين الاجتماعي والاقتصادي للإخوان لأن ذلك جاء منسجما مع رغبته في إظهار وجه ديمقراطي ولأنه بدا أن الإسلاميين يساعدون الدولة في جهودها الهادفة إلى تخفيف العبء عن أبناء الطبقات الدنيا الذين يتزايدون عددا واستفاد النظام على الصعيد الرسمي من بعض مشاريع الإخوان التجارية مثل مصنع الرباط وكذلك على الصعيد غير الرسمي والصعيد الشخصي من شركات التوظيف فقد جرى توظيف بعض كبار المسئولين كـ " مستشارين " لدى شركات الاستثمار هذه ( من الأمثلة البارزة على ذلك وزير الداخلية السابق النبوي إسماعيل الذي عمل لصالح شركة الريان " وكشف فضيحة ما سمي " كشوف البركة " ( وهي عبارة عن قائمة خاصة بأسماء كبار المسئولين المصريين الذين جرى توظيفهم في شركة الريان كأعضاء في مجلس إدارة الشركة وحصلوا على مبالغ ضخمة من المال ) عن مدى تورط الدولة في النشاطات المالية للإسلاميين ولكنه تورط وصل إلى نهايته في أواخر عقد الثمانينيات .
قوة التنظيم
شهدت الفترة الأخيرة من عقد الثمانينات مواقف وميولا جديدة في السعي إلى الشرعية من جانب كل من مبارك والإخوان فعلى رغم أن مبارك ظل يواصل بناء قاعدة لشرعية قانونية بدافع من الحاجة إلى تشكيل مجلس شعب دستوري يقوم بترشيحه لفترة رئاسية ثانية ( انتخابات عام 1987 ) إلا أن بروز عمليات العنف بحدة التي جاءت جزيا نتيجة للإحباط العام فرض على النظام التركيز على آدائه الاقتصادي أيضا وعى خط مواز للتنازلات الجزئية أمام الضغوط التي بذلها صندوق النقد الدولي من أجل الشروع في تعديلات هيكلية واصل النظام التودد إلى موظفي القطاع العام عبر زيادة أجورهم وعبر المحافظة على دعم المواد الاستهلاكية بهدف تجنب ردات الفعل الاجتماعية ومن أجل دعم استقرار الاقتصاد وكان ذلك طريقة النظام في السعي إلى تحقيق شرعية الإنجاز كما أن النظام تودد للمؤسسات الدينية مثل الأزهر ودار الإفتاء لتعزيز شرعيته الدينية .
وبالإضافة إلى سعي النظام إلى الشرعية بأشكالها المختلفة فإنه بدأ كذلك بالتركيز على استخدام القمع ضد المجتمع وهذا تبين في طريقه اختياره لشخصيات معينة لشغل منصب وزير الداخلية اشتهرت بقسوتها ( زكي بدر ) وقد أسفرت وجود شخصيات أمنية مثل بدر عن جعل سياسيات الدولة نحو المجتمع أكثر عنفا من ذي قبل فضلا عن أن استخدام القمع فشل في حل مشكلات الدولة مع الإرهاب الذي أصبح ظاهرة متفشية بوضوح في التستعينات .
ومن ناحية أخرى واصل الإخوان ترسيخ القاعدة الاجتماعية لشرعيتهم عبر تحسين خدماتهم الاجتماعية وتطوير عقد اجتماعي إسلامي نافس العقد الاجتماعي للنظام وعلى الرغم أنه لا يقارن بالعقد الاجتماعي للدولة بما أن موارده محدودة فقد تميز بالكفاءة والتنظيم فقد جرى توظيف التنظيم وأقسامه الداخلية وشبكاته في عملية التنظيم في عملية الاتصال والتنسيق بين الإخوان الموجودين في مختلف الفضاءات ( النقابية والجامعية ) مازاد من فاعلية الخدمات التي كانوا يوفرونها وقد ساعدت هذه الشبكات التنظيمية على تحسين الخدمات التي يقدمها الإخوان وعمقت من تعاطف المستفيدين منها مع الإسلاميين المعتدلين وهددت الضوابط المركزية وحدود النظام على هذه الفضاءات .
وزادت حدة مأزق مبارك مع الشرعية نتيجة للتقدم الكبير الذي أحرزه الإخوان في المجتمع وفي السياسة ( بحصولهم على 36 مقعدا في مجلس الشعب ) لكنه لم يتراجع عن سياساته التصالحية بما أن ذلك كان سيؤثر سلبا في صورته داخل مصر وخارجها ومع ذلك فقد وضع مبارك قيودا على روح التسامح هذه ولا سيما في تجربة شركات التوظيف وعموما فقد تسامح مع الشرعية الاجتماعية غير الرسمية التي اكتسبها الإخوان في النقابات واتحادات الطلبة طالما أنها ظلت قائمة على خدمات اجتماعية ولم يجر تسييسها أو استخدامها في معارضة السياسات الاستراتيجية للنظام إلا أن ذلك لم يستمر في التسعينات إذ تخلت الجماعة عن بناء شرعيتها الاجتماعية بهدوء وبدأت في تسييس هذه الشرعية للضغط على النظام للإعتراف بها رسميا وهو تطور استفز النظام وقاده إلى تغيير علاقته بالإخوان

تسييس الشرعية
شهد مستهل التسعينات بداية قصة الصراع بين الإخوان المسلمين ومبارك ولا سيما على شرعية الإنجاز ولم يأت سياق التصادم من فراغ وإنما سرعت من وتيرته تطورات وعوامل محلية وخارجية وتفاعل النظام مع تلك التطورات من خلال مجموعة سياسات جديدة أهمها التخلي عن سياسة احتواء المعارضة السياسية وصياغة تحالفات جديدة مع فئة رجال الأعمال وكانت حصيلة ذلك مجلس شعب ضعيف ( قاطعت انتخاباته المعارضة ) في العام 1990 وتوقيع اتفاقية جديدة مع صندوق النقد الدولي في العام 1991 وأحكم النظام قبضته الأمنية على المجتمع وعلى فضاءات المعارضة واعتمد أكثر من ذي قبل على سياسة القمع لمواجهة أعمال عنف الجماعات الإسلامية ولم ينس وسط مواجهته للتيارات الإسلامية المتشددة أن يلتمس شرعية دينينة من مؤسستي الأزهر ودار الإفتاء المصرية واقتصاديا وفي الوقت نفسه الذي خضع فيه النظام لضغوط صندوق النقد واصل مبارك في خطاباته التصريح بأن ما يقوم به من إصلاحات هيكلية في الإقتصاد المصري لا يعني تخلي الدولة عن دورها الاجتماعي وطرح إجراءات مسكنة لإثبات ذلك ( برامج صندوق الرعاية الإجتماعية ) مثالا .
إلا أن أهم تحد واجه النظام في مستهل التسعينيات وحول العلاقة من مهادنة إلى تصادم كان ما حققه الإخوان من شرعية اجتماعية اتخذت صبغة سياسية حادة أزعجت مبارك شخصيا واستطاع الإخوان بفضل كفاءة هيكلهم التنظيمي وسيطرتهم على فضاءات الطبقة الوسطى من طلبة ( اتحادات الطلبة ) ومهنيين ( النقابات ) من بناء عقد اجتماعي بديل من العقد الاجتماعي التاريخي بين الدولة والمجتمع الذي كان يتعرض للتآكل بسبب إصلاحات النظام الإقتصادية . ثم أسفرت أحداث مثل حرب الخليج والزلزال إلى التعبير عن العقد الاجتماعي الاخواني بخطاب سياسي سعى إلى ممارسة ضغط على النظام إزاء رفضه منح شرعية قانونية للجماعة .
وقد أسفرت الممارسات الإخوانية التي اعتبرها النظام تحديا سافرا له إلى مصادرة الوجود الإخواني من الفضاءات التي سمح بها النظام في الثمانينيات وربما أضعفت إجراءات المصادرة هذه من الوجود بالفعل ولكن التضييق الأمني على الفضاءات السياسية والاجتماعية والاقتصادية قلص من شعبية النظام في الوقت نفسه وزاد من أزمته في تعزيز شرعيته وهي أزمة ازدادت بروزا في منتصف التسعينات عندما وصل صراع النظام مع الإخوان إلى قمته بتحويل قيادات تنظيم الجماعة إلى محاكمات عسكرية .

تصفية نفوذ الإخوان
شهدت الفترة التي امتدت بين عامين 1995 و2000 اعتمادا أكبر من جانب النظام على القمع وهو ما انعكس في موقفه من السياسة ومن المجتمع وشهدت انتخابات العام 1995 أعنف أعمال عنف ومواجهات مع الأجهزة الأمنية بالمقارنة بالأعوام 1984 و1987 و 1990 وأحد الأسباب التي تقف وراء ذلك هو أنه كان يتوقع من مجلس الشعب الذي تم انتخابه في العام 1990 وترشيح مبارك لفترة ولاية ثالثة في العام 1995 وأراد النظام الذي أقصى المعارضة في العام 1990 أن يؤمن ترشيحا سهلا وشكل التحول نحو القمع رد النظام على التهديد المتزايد من جانب المتطرفين الإسلاميين الذي استهدفوا حياة مبارك وهو في طريقه لزيارة أثيوبيا في العام 1995 وفي أعقاب المحاولة الفاشلة أصبح موقف النظام من الإسلاميين حشيا وغير مميز فاعتقل وحاكم أعضاء قياديين في الإخوان المسلمين الذين بات ينظر لاحقا على أن لهم صلة بالتطرف وأنهم يسعون إلى زعزعة استقرار الحكومة وقرر أغلب الذين قدموا إلى المحاكمة خوض انتخابات العام 1995 لكنهم تعرضوا للاعتقال .
وجاءت السياسات القمعية للنظام ردا على التأثير السياسي والاجتماعي المتنامي للإخوان فقد حصل الإخوان على شرعية إجتماعية في النقابات وفي الجامعات وبدأوا بتوظيفها سياسيا كما تجلى في محاولة تشكيل حزب سياسي في العام 1996 وكان لتقديم الإخوان إلى محاكم عسكرية أثر كبير في قدرتهم على التوسع في المجتمع كما أثر أيضا في وجهات نظرهم حيال النظام وفي استراتيجيتهم في المستقبل وقد جرى التعبير عن بعض وجهات النظر هذه في وثائق داخلية غير منشورة وقد تضمنت هذه الوئائق آراء سلبية في النظام لكنها حذرت من أنه ينبغي ألا يجر ذلك الحركة إلى العنف وأكدت الوثائق على أهمية الاستمرار في تقديم الخدمات الاجتماعية لشرائح مختلفة في المجتمع لكن على ألا يتم تسييس هذه الخدمات تجنبا لاستعداء النظام .
واعتماد النظام على القمع لم يكن يعني أن الشرعية أصبحت قليلة القيمة إذ ظل مبارك مهتما برأي المصريين في حكمه ولكنه أعاد صياغة شكل الشرعية الذي سعى إليه فتوقف عن الاعتماد على الشرعية القانونية ( الناشئة عن التعددية الحزبية والتسامح مع المعارضة ) وبات يراها نابعة من الوعود بالإصلاح الإقتصادي وبناء على ذلك أمل مبارك في أن يرفع الإصلاح الاقتصادي في النهاية الظلم الناشىء عن ترهل العقد الإجتماعي ولكن للنظام وتحقيق إنجاز ما واعتمد النظام على رجال الأعمال في دعم شرعيته ولكن التحالف بين الدولة ورجال الأعمال في دعم شرعيته ولكن التحالف بين الدولة ورجال الأعمال فشل في إخراج النظام من أزمته مع المجتمع كما أن الخصخصة وأن نجحت إلى حد ما في تحسين الإقتصاد الكلي في مصر فقد فشلت بالتأكيد في تحسين مستوى معيشة أغلب المصريين .
الجولة الأخيرة تقنين الصراع
أكد الفصل السابع طبيعة العلاقة التصادمية بين الإخوان والنظام وقد اتخذت درجات مقننة قاسية بعد التعديلات الدستورية في العام 2007 وبالتالي لم تحمل الفترة من 2000 – 2007 اختلافا نوعيا في محور العلاقة بين الإخوان والنظام عن منتصف التسعينات سوى أن النظام يمر الآن بآخر أيام حياته وفيما سيضطر النظام الجديد بعد رحيل مبارك إلى بناء شرعيته من الصفر كما فعل الرؤساء من قبل عبدالناصر والسادات وبالطبع مبارك فإن حركة الإخوان لن تبدأ من الصفر وستتابع الجماعة مراكمتها للشرعية الاجتماعية التي بدأتها منذ منتصف الثمانينيات لأنها غير مرتبطة بشخص المرشد رئيس الجماعة وإنما بديمومة ونفوذ التنظيم نفسه وهذا سيضع النظام الجديد في مأزق حقيقي في كيفية التعامل مع حركة متجذرة اجتماعيا لن يكون من السهل إقصاؤها وإنما على العكس سيتطلب الأمر ضرورة التعامل معها وربما استيعابها داخل العملية السياسية .

ليست هناك تعليقات:
Write التعليقات

Services

More Services

© 2014 صلاح الدين حسن. Designed by Bloggertheme9 | Distributed By Gooyaabi Templates
Powered by Blogger.