أرشيف المدونة الإلكترونية

من أنا

صورتي
القاهرة
كاتب صحفي متخصص في الجماعات والحركات الاسلامية في مصر والعالم رقم هاتفي 0020109899843 salaheldeen1979@hotmail.com

Most Popular

الأحد، 9 مايو 2010

الاسلام والفن

صلاح الدين حسن
" لماذا أصبحت الموضة الآن هى إصدار الفتاوى بأن الإسلام هو دين الفن والفنانين ؟ ما الذى تغير ؟ وهل يتم توظيف الدين وتفصيلة حسب المقاس ؟ " تساؤلات طرحها الكاتب كرم جبر فى مجلة روز اليوسف عدد (4066) مرجعا هوجة ارتداء الفنانات الحجاب الى نظرية المؤامرة على الفن المصرى مستدلا على ذالك بأنه كانت الفتوى فى الماضى تقضى بأنه من كن يردن ارتداء الحجاب من الفنانات فلابد لهن من اعتزال الفن للأبد ويطلقنه طلاقا بائنا لا رجعة فيه فلما علم المتآمرون أن كيدهم قد خاب وسحرهم قد انفك لجأوا الآن الى وسائل اخرى منها محاولة غزو الحقل الفنى بأكبر كم من منتجات الفيديو كلب اللبنانية العارية لسحب البساط من تحت أقدام فناناتنا المصريات ولمواجة المد السلفى المتصاعد فى دول الخليج هذا من ناحية ومن ناحية اخرى محاولة غزوالإسلاميين الحقل الفنى عن طريق تحجب الفنانات دون اعتزالهن ودعوتهم الفنانات المعتزلات إلى العوده بعد ان كان محرما عندهن فى الماضى أما الآن فلم يعد الفن حراما منذ أن أفتى بذالك عمرو خالد وابتدع خلطة سحرية اسمها "الفن الاسلامى" تقدم حلولا ترضى جميع الاطراف .
فهل كان الفن محرما فى الماضى ؟ وإذا كان هذا صحيحا فمن الذى حرمه ؟ فى رجوعنا لكتب فقهائنا القدامى والمعاصرين لم نجدهم حرموا الفن فى المجمل يقول الشيخ القرضاوى فى مقدمة كتابة الإسلام والفن ( إذا كان روح الفن هو شعور بالجمال والتعبير عنه فالإسلام أعظم دين غرس حب الجمال والشعور به فى أعماق كل مسلم وقارىء القرآن الكريم يلمس هذه الحقيقة بوضوح وجلاء وتوكيد فهو يريد أن ينظروا الى الجمال مبثوثا فى الكون كله فى لوحات ربانية رائعة الحسن أبدعتها يد الخالق المصور الذى أحسن كل شىء خلقه وأتقن تصوير كل شىء .. لقد أحيا الإسلام ألوانا من الفنون ازدهرت فى حضارته وتميزت به عن الحضارات الأخرى مثل فن الخط والزخرفه والنقوش : فى المساجد والمنازل والسيوف والأواني النحاسية والخشبية والخزفية وغيرها .. كما اهتم بالفنون الأدبية وجاء القرآن يمثل قمة الفن الأدبي وقراءة القرآن وسماعه عند من عقل وتأمل إنما هما غذاء للوجدان والروح لا يعدله ولا يدانيه غذاء وليس هذا لمضمونه محتواه فقط بل لطريقة أدائه أيضا وما يصاحبها من ترتيل وتجويد .. ولا مراء فى أن الفن يمكن أن يستخدم فى الخير والبناء أو فى الشر والهدم ولان الفن وسيلة الى مقصد فحكمه حكم مقصده فإن استخدم فى حلال فهو حلال وإن استخدم فى حرام فهو حرام ...)
ولكن الملاحظ ان معظم اراء الفقهاء والمفكرين الاسلاميين جاءت فى إطار الموقف العام للإسلام من الفن وكيف انه يدعوا الى الفن الراقى المحترم البعيد عن الإثارة والعرى ويثمن الفن الذى يدعم قيم المجتمع ويعزز مناعاته وغيرها من الديباجات الأخلاقية الوعظية التى لا تجاوز الإطار العام لتشتبك مع التفاصيل والشيطان دائما يكمن فى التفاصيل كما .. وكان لافتا ان هذا التعاطى غريب تماما مع ما يمتلكه هؤلاء العلماء من ملكات فقهيه نادرة كان تفعيلها سيجيب على كثير من التساؤلات ويحل كثيرا من الإشكاليات ويحرر هذه المساحة التى يمكن أن تكون الأضعف فى منظومة الاجتهاد الفقهى المعاصر ..فما زالت هناك قضايا شائكة تنتظر الحل منها على سبيل المثال : مدى مشاركة العنصر النسائى فى الاعمال الفنية وماهى ضوابط هذه المشاركة وحدودها .
ولكن دعك الآن من قراءة وتحليل انتاج الإسلاميين الفقهى والفكرى فى قضايا الفن وإشكالياته إذ غالبا ما ستنتهى الى حكم غير الواقع أو نقيضة ربما يقول حسام تمام ( الباحث الاسلامى )عن علاقة الإخوان المسلمين بالفن ( البدايات المبكرة والمنفتحة على الفن والمتفهمه لطبيعةوأهمية دوره لم تكت تنبأ بهذا الموقف الملتبس والقلق والمتوجس من الفن الذى وصلت إليه الجماعة فى مراحل تالية بعدها بنصف قرن كما وقف الضعف والالتباس الذى وسم رؤيتها الفكرية واجتهادها الفقهى على النقيض تماما مما حدث فى الممارسة والتطبيق الذى يقول الواقع انه اسبق كثيرا من التنظير وانه ان لم يكن اكثر نضجا فقد كان اكثر جرأة فى القفز على الاشكالات التى وقف أمامها فقهاء الأخوان ودعاتهم حين أسس الشيخ البنا جماعته كان الفن أحد أهم المساحات التى حددها لحركة جماعته ذات الطابع الإصلاحي الشامل واجتمعت للبنا جملة من السمات والأفكار والظروف سمحت بوجود محورى للفن فى دائرة تصوره وحركته كان أهمها نشأته الصوفية التى وسعت فى آفاق فكره السنى السلفى إلى أقصى حدوده وطبيعة مشروعه الإصلاحي الشمولى الذى قدم الإسلام على غير صورته التقليدية التى كان يمثلها علماء الدين – كمنهج شامل للحياة ومن ثم فلم يكن ليغيب عنه جانب المتعة والترفيه إضافة الى خصوصية هذه المرحلة التى عاشت فيها مصر حقبة من الليبرالية الحقيقية أنعشت فيها روح الحرية والحركة وهو ما انعكس افكار وممارسات كل تياراته الفكريه والسياسية بما فيها الإسلامية لم يترك البنا وقتا فى كسر الصورة الذهنية السلبية التى تكونت فى أذهان المتدينين عن الفن وتجاوز الجانب التنظيرى تماما مفضلا ان يقدم الفن بالصورة التى يرى أنها الأمثل : الفن الهادف المفيد وهوفن للمتعه فيه رسالة ...)
فكان مسرح الأخوان المسلمين الذى أسسه عبدالرحمن البنا – شقيق حسن البنا والمرشح فيما بعد – حينئذ- لخلافة أخية حسن البنا فى قيادة الأخوان المسلمين وحين قرر عبدالرحمن البنا ان يخوض مجال التأليف المسرحى اختار ان يكتب "جميل بثينة " وهى قصة من أشهر قصص الحب والغرام وتعكس اختيار البنا لجميل بثينة طريقة الأخوان المسلمون فى الدعوة والتى تتخذ أشكال غير مباشرة فى نشر المبادئ الإسلامية ومحاولة الوصول للجماهير بدون تصادم مع عادات المجتمع وتقاليده فالبنا اختار قصة عاطفية ولم يتصد لقضية حماسية أو يلجأ إلى التاريخ الإسلامي الزاهر وقصص البطولات والفاتحين ورغم أن القصة عاطفية فإن الدافع الأساسي لاختيار هذه القصة كان الغيرة على الاسلام والعروبة فقد وجد البنا فراغا كبيرا لم يسده الفنان العربى فتسائل فى مقدمة المسرحية ( لماذا نستجدى من الغرب قصصه وحوادثه فنذكر روميو وجولييت ونحتفى بغادة الكاميليا ولا نعود الى شرقنا فنقتبس النور من إشراق سمائه ونعرف الحب من طهارة ابنائة) ثم يتحدث عن جو مسرحيته المختلف فيقول ( الجو فاتن فلا يفتتنان والشباب جارف فلا ينزلقان لان لهما قلبين ثمنهما العروبه ونشأهما الإسلام ) ويبدوا أن المسرحية قد حققت نجاحا لافتا فشوقى قاسم صاحب رسالة دكتوراة " الإسلام والمسرح المصرى " يقرر بوضوح أن جميل بثينة قد صارت موضع المقارنة مع درة لأمير الشعراء " مجنون ليله " ونظرة واحدة الى الأسماء التى شاركت فى هذا العمل تبين مدى حرفية هذه المسرحية اذ تضم قائمة النجوم : جورج ابيض – احمد علام – عباس فارس- حسن البارودى – محمود المليجى ومن العناصر النسائية : فاطمة رشدى وعزيزة امير .
وكما لم يجد البنا حرجا من تناول الأعمال الرومانسية فإنه لم يجده كذالك فى ظهور الممثلات على خشبة المسرح ساعدة على ذالك البيئة العربية التى استمد منها معظم أعماله والتى فرض جوها على الممثلات الظهور برداء محتشم يتلائم مع جو النص .
وكانت مسرحية " صلاح الدين" هى باكورة أعمال البنا التى لفتت الأنظار لقضية فلسطين اذ رأى فى الفن سلاحه يقاتل الى جوار المجاهدين فى فلسطين فأهدى هذا العمل إلى شهداء فلسطين الأبرار بل ان ثلاتة من اعضاء الفرقة اعتذرو عن المشاركة فى العمل لذهابهم الى ميدان القتال وهو ما نص علية اعلان المسرحية حين كتب فى هامشه " من أعضاء الفريق فى ميدان الحرب الآن : إبراهيم الشامى . فطين عبدالحميد . إبراهيم القرش " والأول صار واحدا من أهم ممثلى الدراما فى المسرح والتلفزيون حتى وفاته ....
بدأ البنا يخطو خطوته الثانية نحو تأسيس فرقة خاصة للإخوان المسلمين وعرض مسرحياته التى بلغت ثمانى مسرحيات ووصل الأمر بالإذاعة الى نقلها على الهواء مباشرة ولم يقتصر النشاط على المركز الرئيسى للجماعة بل امتد إلى شعب الجماعة فى أنحاء مصر كما وصل الامرإلى العرض على أكبر المسارح المصر ية .
ولإدراك عمق هذه التأثيرات والسبق الذى حازه الإخوان فى ذالك لابد ان نتوقف أمام حدث بالغ الأهمية وهو أن الفرقه القومية المصرية حيت تأسست عام 1935 بقيادة خليل مطران أوفدت البعثة الأولى من الطلاب الى أوروبا لتعلم الفن هناك واللافت للانتباه أن البعثة تكونت أساسا من عدد ممكن عملوا فى مسرحيات البنا مثل سراج منير و حسن حلمى و محمد السبع .
يقول البنا فى ذكرياته عن هذه الفترة " وظل المسرح الاسلامى على مدى 14 عاما يزهو ويزدهر كلما ظهرت مسرحية من المسرحيات "
وتعددت تأثيرات مسرح الأخوان المسلمين على المناخ المسرحى العربى خاصة فى مصر ومن ذالك اهتمام القوى الاسلامية المختلفة بالمسرح فقد أنشأت جمعية الشبان المسلمين فريقا مسرحيا بقيادة الفنان محمد عثمان ظل منبرا للمسرحيات الإسلامية إلى أن شعر بخطورته ضباط ثورة يوليو لما يبثه من من قيم تخالف النهج الاشتراكى الذى ارادوه لمصر فقاموا على الفور بدمج الفريق فيما عرف بهيئة التحرير وما أن وافق عثمان حتى جمدوا أنشطة الفريق.
أما بالنسبة للإخوان فبعد نجاح ثورة يوليو بدأ عصر جديد كانت نتيجته تصفية شاملة للجماعة انتهت بحلها قانونا لتسلك طريقا مختلفا أثر على الحالة الإسلامية عموما طوال عقدى الخمسينات والستينيات ففى أجواء السجن والإعتقالات لم يكن ممكنا الحديث عن مسرح أو فنون إلاما كان يقدمه المساجين الإخوان من فقرات واسكتشات ترفيهية ونشأ وتغذي إتجاه للتشدد والتحريم كان أول ما طاله الفن باعتباره الحلقة الأضعف في منظومة الإجتهاد الإسلامي
ففي السبعينيات تغذي تيار التشدد و التحريم من تيار الوهابية التي تمددت مع المد السعودي بالمنطقة عقب ارتفاع أسعار النفط وصار الفن في أذهان الجيل الجديد من وصار الفن في أذهان الجيل الجديد من الإسلاميين أقرب للحرام وساعد علي تفشي هذه النظرة ما اشتهر به الوسط الفني – لدي العوام – من انحلال وتهتك وفسادوفضائح أخلاقية وكان أهم أسباب انتشار السينما التجاريةطوال عقد السبعينات وما أنتجته من أعمال فنية رديئة ..
ولكن مع سيطرة الإخوان على الحركة الإسلامية من جديد صبغتها بالصبغة الوسطية ولان منهج الإخوان منهج شامل فكان لابد للفن أن يستعيد وجودة بين الإسلاميين كما عاد من بوابة جديدة وهى البوابة الجهادية الحماسية ...
ففى فترة الثمانينات والتسعينات وهى فترة شهدت صعود جيل الوسط فى جماعة الإخوان المسلمين تغير الحال وتوسع الإخوان فى العمل العام والنشاط السياسى واقترب الإخوان من الشارع المصرى ومزاجه وروحه وكان من متطلبات هذا الاقتراب ونتائجة الإنحسار التدريجى للروح الوهابية التى كانت قد غلبت على المجتمع بشكل عام وكان الفن المرايا التى عكست هذه التغيرات بوضوح وفى أثناء هذه الفترة تأسست عدد من الفرق الإسلامية التى انتشرت فى الجماعات والنقابات وفى المدن والقرى والتى كانت تقوم بدور مزدوج ( الغناء والتمثيل ) وتخلت هذه الفرق تدريجيا عن مقاطعة الآلات الموسيقية بل استعانت بموسيقيين معروفين فى الوسط الفنى
ومع دخول الجماعة القرن الحادى والعشرين طرح بعض القيادات فى الجماعة مبادرات داخلية كان أشهرها مبادرة عصام العريان القيادى الاخوانى والذى انتقد آفة قد انتقلت الى الجماعة نتيجة غلبة الفكر السلفى فى فترة السبعينات والثمانينات وهى آفة التشدد والغلو والاخذ بالصعب فى امور الفقه ثم يقول العريان فى موضع اخر." نحتاج إلى مزيد من الإبتكار في مجال الترفيه للجمهور الملتزم، فقد نجح شريط الكاسيت، ولكننا في حاجة إلى مسرحيات ملتزمة، وأفلام هادفة، وغناء يربي المسئولية، وروايات تشجع على التقدم... إلخ. )
ولكن تظل العقبة الامنية امام الاخوان والاسلاميين المعتدلين عموما حائلا يحول دون تقدمهم السريع فى مجال الفن فما زالت الاجهزة الامنية تغل يد الاخوان عن الاشتغال فى مجال السينما والمسرح وحتى عندما دعم الاخوان ماليا مسلسل (يحيى عياش) للمخرج السورى باسل الخطيب حوصر المسلسل ولم يعرض على أيا من الفضائيات العربية ما عدا قناة ( المنار ) التابعة لحزب الله ...
الا ترى معى ان مناخ الحرية يصبغ المجتمع بالوسطية وينمو فيه الفن ويزدهر ؟

ليست هناك تعليقات:
Write التعليقات

Services

More Services

© 2014 صلاح الدين حسن. Designed by Bloggertheme9 | Distributed By Gooyaabi Templates
Powered by Blogger.